كتب - محمد علي طه: أنا لست قارىء الفنجان، ولا الضّارب في المندل بل لا أعرفه ولم أره أبدا في حياتي، كما أننّي لم يهبني الله تعالى قوّة خارقة كي أصنع العجائب مثلما فعل النّاصريّ الجميل، ولا أدّعي النّبوّة فالتّاريخ مليء بالأنبياء الكذبة، ولكنّني ببساطة أقرأ الكلمات واجتهد لأقرأ ما وراء الكلمات، كما أقرأ السّطور في الصّحف والقراطيس وأجتهد لأقرأ ما بين السّطورُ لأنّ تجارب الحياة الغنيّة التي عشتها، وما زلت أعيشها والحمد لله، منذ أيّام النّكبة الأولى التي باضت وفرّخت نكبات صغيرة ونكبات كبيرة سلخت جلودنا وأعيت كواهلنا وقلعت أسناننا وأنيابنا علمتني مما علمتني أنّ دهاقنة السّاسة من أولاد عمومتنا لا يضعون النّقاط على الحروف علانيّة بل يحتفظون بها لمطابخهم ومذكّراتهم، ويتركون للمغمورين والباحثين عن الشّهرة الإعلاميّة أن "تزرق" أو تفلت كلمة من كلامهم أو عبارة من خطبهم لتقول لأبناء جلدتهم ورهطهم أنّ ما هو آت آت!!
منذ عقود وأنا اردّد كتابة وخطابة بأنّنا ما زلنا نخوض معركة البقاء في الوطن، والصمود على أديمه، والإنغراس في ترابه لأنّ فكر الآخر، وهدف الآخر، وحلم اللآخر لم يتغيّر ولم يتبّدل بل يتوارثونه كابرًا عن كابر. ولا شكّ بأنّ استطلاعات الرّأي بين طلبة المدارس الثانويّة العبريّة دليل واضح على تنامي الفكر العنصريّ الذي يرفض وجود الآخر ويكرهه ويمقته ويحتقره ويدعو إلى بلاد نظيفة منه.
ولو استعرضت وايّاكم وبمساعدتكم مسلسل التّصريحات العنصريّة التي تفوّه بها قادة عسكريون كبار وحاخامون بارزون على مدى عقود خلّت لملأت كتابا. ولا بأس من أن نتذكّر بعضا منها لعلّ الذّكرى تنفع:
هل تذكرون القائل "العرب سرطان في جسم الدّولة" وهل سألتم أنفسكم عمّا تعنيه هذه الجملة؟ ما هو علاج السّرطان؟ طبعًا الاستئصال. الاستئصال الاستئصال!!
هل تذكرون القائل: "علينا أن نجعل العرب صراصير مسمّمة في زجاجة" وكيف سيتم ذلك وما الهدف منه؟
هل تذكرون القائل: "علينا أن نحضر الشّاحنات ونقذف المسلمين إلى الأردّن والدّروز إلى سوريا والنّصارى إلى لبنان"؟
وهل تذكرون من قال "العرب أفاع سامّة وعقارب"؟
على العرب في إسرائيل أن يتذكّروا النكبة" وهل تذكرون من قال:
هذا غيض من فيض؟!
وفي أثناء تمرين الدّفاع المدنيّ الواسع الذي جرى في طول البلاد وعرضها على مدى أيّام كانت هناك فقرة مهمة وهي أن تقوم وحدة عسكريّة مدرّبة وخاصّة بسحق المواطنين العرب المعارضين للحرب أو المنتفضين ضدها. تمرين الدّفاع المدنيّ تعامل مع هجوم من العدوّ الإيرانيّ ومع هجوم من العدوّ السّوريّ ومع هجوم من حزب الله أو حماس. وتعامل مع هجوم من وعلى المواطنين العرب في البلاد. وهذا يعني أنّ الدّولة تتعامل معنا كعدوّ لا كمواطنين. وهذا يعني أن هناك مؤامرة تحاك ضدّ وجودنا!!
هناك إشارات عديدة منذ الانتخابات البرلمانية في شباط 2009 وصعود اليمين الفاشّيّ تطلّ من هنا وهناك، وترفع رأسها هنا وهناك تدعو إلى بلاد نظيفة من العرب. تدعو إلى ترانسفير واسع كبير. تدعو إلى نكبة جديدة.
أنا لست خائفا ولكنني قلق وقلق جدا.
أشمّ أنّ هناك قوى تخطط كي تقودنا إلى معركة قاسية وقذرة، تحدّد هذه القوى زمانها ومكانها وبدايتها ونهايتها.
قال الأمير والشّاعر العربيّ نصر بن سيّار، حاكم خراسان الأمويّ في رسالة بعثها إلى مروان بن محمّد آخر خلفاء بني أميّة:
أرى خلل الرّماد وميضَ نار
ويوشك أن يكون لها ضرامُ
أجل. أرى ما أرى. هل نحن يقظون؟ هل فكّر قادتنا السّياسيّون بذلك؟
أعود وأقول: أنا لست خائفا ولا أرغب بأن أخيف أحدًا منكم. ولكنّي قلق على مصير أبناء شعبي ويحقّ لي أن أقلق.