فسحة للرأي

عن الصهيونية والنازية الجديدة

صلاح حميدة |
عن الصهيونية والنازية الجديدة

 كتب - صلاح حميدة:  تطرح الحماسة الرسمية والشعبية الإسرائيلية لتصاعد التأييد لليمين المسيحي الفاشي_ المعادي للمسلمين في أوروبا وأمريكا _ تساؤلات جوهرية حول طبيعة الحركة الصهيونية و إفرازاتها المؤسساتية العالمية وما تجسد عنها من كينونة رسمية على أرض فلسطين التي سميت ( إسرائيل).

فالتاريخ اليهودي _ الإسلامي لم يكن تاريخا دمويا إقصائيا، بالرغم من الصدام المبكر بين الطرفين بداية ظهور الإسلام وبناء دولته، إلا أن اليهود لم يلاقوا من المسلمين سوى الحماية والاحتضان طوال فترة وجود الدولة الإسلامية أينما كانت كينونتها أو عاصمتها.
فقد وجد اليهود لهم مكانا متميزا في مواقع السياسة والاقتصاد والإبداع الفكري والعلمي، وبالرغم من كونهم أقلية دينية إلا أنها كان لها نفوذ كبير داخل مراكز صنع القرار في الدولة الإسلامية. 
وذكرت الموسوعة اليهودية أن العصر الذهبي لليهود تجسد عندما حكم المسلمون الأندلس، فقد فتح لهم المسلمون كل سبل الحرية والإبداع في دولتهم، وكانت الأندلس واحة للأديان بينما عاشت أوروبا حالة من التصحر الديني والقيمي الذي لا يقبل خلافا ولا اختلافا.
لم يستمر ربيع اليهود الذهبي في الأندلس، وتمدد التصحر والقتل والجهل إلى الأندلس بعد هزيمة المسلمين، ولم يجد اليهود سوى المسلمين في شمال أفريقيا وفي الدولة العثمانية ليحتضنوهم ويحموهم من جديد.
استمر اضطهاد وتقتيل اليهود في روسيا القيصرية وفي دول أوروبا الغربية والشرقية، حيث كانت المؤسسة الرسمية والدينية المسيحية في تلك الدول تحملهم المسؤولية عن ما اعتبرته قتلا للمسيح عليه السلام.
كان ظهور العنصرية القومية الألمانية وبالا على اليهود في ألمانيا، وشكلت هذه المرحلة أخطر تحول جرى لليهود على مر تاريخهم، فقد تجلى ظهور الحركة الصهيونية التي كانت قرارا بالتحول باليهودية من طبيعتها الإنسانية المنسجمة مع المجتمعات والدول التي يعيش فيها اليهود، لتتحول إلى حالة استعمارية تنسجم مع المنظومة الفاشية التي عانى منها اليهود في مراحل تاريخية مفصلية من تاريخهم، وأصبحت سوطا في يد من قتلوها لتجلد الذين حموها خلال مئات السنين.
يذكر علماء النفس أن حالة تقمص شخصية الظالم من قبل المظلوم عندما يمسك أسباب القوة عبارة عن حالة مرضية تحتاج إلى علاج حقيقي، ومن يتابع سلوك الحركة الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني يلاحظ بشكل لا لبس فيه تجليات هذه الحالة دون أي شرح أو تفصيل.
فمن يدرس تاريخ الظلم الذي وقع على اليهود في روسيا والأندلس وألمانيا يلاحظ أنه يتم استنساخه وإسقاطه من قبل الدولة العبرية على الضحايا الفلسطينيين، فبنظرة متفحصة لطبيعة المجازر، والطرد، وإحراق ضحاياهم بالفسفور الأبيض، وحرق عائلة دوابشة، وسجن الفلسطينيين في جيتوهات خلف الجدران والاسلاك الشائكة، ومأسسة وتمجيد وتأصيل القتل وارتكاب المجازر بحق الابرياء وتبرير الحصار والتهجير، والممارسة العنصرية بكل أشكالها دينيا وقانونيا، تظهر بشكل واضح عمق الحالة المرضية التي رسختها الحركة الصهيونية في العقل والسلوك اليهودي المتصهين.
ظلت الحركة الصهيونية تبرر (أخلاقية) إنشاء الدولة العبرية (إسرائيل) واقتلاعها للشعب الفلسطيني من أرضه وارتكابها المجازر وكافة الممارسات العنصرية بحقه من باب ما أطلقت عليه كارثة المحرقة النازية(الهولوكوست) وظلت تشن حربا شرسة على كتاب (حكماء صهيون) الذي يقال إن ضباط المخابرات القيصرية الروسية ألفوه لتشويه صورة اليهود ولتبرير ما كان يرتكب بحقهم من جرائم، ولكن جرائم الصهاينة بحق الفلسطينيين رسخت تلك المقولات في عقول ملايين البشر عبر استنساخها لأساليب النازيين من خلال استهدافها للفلسطينيين.
الأكثر إثارة في موضوع الحركة الصهيونية و ساسة كيانها أنهم تحالفوا مع طلائع الفاشية والنازيين الجدد من اليمين المسيحي العنصري الجديد في أمريكا وأوروبا، بل نجد إنهم يشجعونهم على ارتكاب المجازر والممارسات العنصرية الاجرامية بحق المسلمين في دولهم بنفس الأدوات التي ارتكبت نازية هتلر بها جرائمها بحق اليهود سابقا، وقد حطم هذا السلوك المشين القشرة الأخلاقية التي تغطت بها الحركة الصهيونية خلال تاريخها، وأظهرت جليا وجهها البشع وحقيقتها التي أظهرتها كنسخة يهودية عن الفاشية المتدثرة بالمسيحية، فهي تشجع غيرها وتمارس بنفسها الجرائم الفاشية تجاه أبرياء بسبب هويتهم الدينية.
ظهور هذه الحقيقة الواضحة كسر آخر حلقات الخطاب التبريري الذي هدف إلى تجميل اقتلاع الشعب الفلسطيني واضطهاده، وكشف أن الحركة الصهيونية عبارة عن نسخة عنصرية فاشية غربية المنشأ تتبنى الخطاب العنصري الفاشي وتجسد أفكاره فيما تقترفه من جرائم بحق الأبرياء، فمن الطبيعي أن تقف الدولة العبرية ضد الحركات الفاشية والنازية التي اضطهدت اليهود وقتلتهم سابقا، إن كانت تهدف إلى حماية اليهود كما تقول، ولكن طبيعتها البنيوية تغلبت على التبرير القيمي.
هذا السلوك وما اقترن به من خطاب سببا صدمة للكثير من أعداء الفاشية من المسيحيين واللادينيين واليهود والمسلمين، وبدأت تفاعلات هذه الصدمة في حراك شعبي قوي في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وستشهد الأيام القادمة تفاعلات أكبر تجاه هذا الموضوع، وسيكتشف الكثير من الأشخاص ومن القطاعات الشعبية والنخب الفكرية والمجتمعية وعدد مهم من اليهود في العالم أنهم أجرموا بحق الشعب الفلسطيني عندما دعموا حركة فاشية تغطت بغطاء ديني وآخر يتعلق بمظلومية المحرقة والاضطهاد ضد اليهود في أوروبا.
يقع على عاتق الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم دور أساسي في معركة الوعي والأخلاق وحجية الصراع، فتسليط الضوء على تحالف الدولة العبرية مع الفاشيين والنازيين يظهر لكل المخدوعين بها والمتبنين لخطابها أنها جزء من هذا السياق العنصري الإجرامي، وأن خطابها الذي يتبنى ظاهريا مظلومية اليهود ليس إلا خطابا خادعا وليس إلا كلمة حق يراد بها باطل.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد