فسحة للرأي

دولة تحدها الحواجز

سامر عنبتاوي |
دولة تحدها الحواجز

 كتب - سامر عنبتاوي:  تعلمنا في مدارس الطفولة ان فلسطين جزء من بلاد الشام و يحدها حسب سايكس و بيكو الدول العربية من لبنان مرورا بسوريا فالأردن فمصر و البحر الأبيض المتوسط غربها ,, و تعلمنا انها كانت ترزح تحت الحكم العثماني فالانتداب البريطاني بعد سقوط الدولة العثمانية لنقرأ أيضا ان شخصا اسمه بلفور قد ( وهب) هذه الأرض لليهود و سهل هجرتهم اليها و بدأت ملامح الصراع بين اليهود و العرب لمن يحكم هذه البلاد بعد انتهاء الانتداب ,, و قامت ثورات التحرير كما في باقي الدول العربية المستعمرة لنكتشف لاحقا ان اجدادنا قاوموا و استشهد منهم و اعتقل و ابعد الكثيرين في حرب تحرير ,, و لكن كان تحرير الأرض يجير للقادمين الجدد و تبنى ( الكيبوتسات ) لتزرع كيانا غريبا .

و قبل انجلاء الاستعمار بعام ,, أي في العام 1947 صدر قرار مجلس الامن 181 بتقسيم ارض فلسطين الى دولتين : عربية و يهودية ,,, رفض الفلسطينيون و العرب التقسيم و اقنع بن غوريون منظماته بقبوله مرحليا للانقضاض على باقي الأرض ,,, و هذا ما حصل ,,, رحيل الاستعمار بعد المساهمة في الايفاد البشري و التسليح و حرب غير متكافئة يستولي نتيجتها اليهود على 78 % من الأرض و حصر الفلسطينيين بين اقلية في حدود ( دولة إسرائيل ) و ما بين الضفة الغربية بما فيها شرق القدس و قطاع غزة ,,, و الباقي شردوا في مخيمات الشتات .
و بنيت دولة الوعد البريطاني و قسم الفلسطينيين بين الادارة الأردنية و المصرية و تعاظمت قوة الدولة المصطنعة لتنقض بعد نحو عشرين عاما على ما تبقى من فلسطين و أجزاء من الدول الأربع المحيطة بفلسطين ,,, و اسدل الستار على واحدة من اعظم المسرحيات العالمية التراجيدية ,,, تخللها العشرات من قرارات مجلس الامن ,, عودة و تعويض فانسحاب فرفض استيطان و غيره الكثير الكثير و بقي الواقع على الأرض الشعب الفلسطيني كطفل يحلم بلعبة ثمينة و والده لا يملك ثمنها فيستولي عليها القوي الغني و يعطيها لأولاده ليتملكوها ,, فتتحول التراجيديا الى مأساة كوميدية تراجيدية .
سيقول الكثيرون ممن يقرأون المقدمة : هذا سرد تاريخي لواقع نعرفه جميعا ماذا نستفيد منه ؟ بل ماذا اضفت بتلخيص مائة عام من معاناة شعب في عدة اسطر ؟ و اعطي كل الحق لكل من يتبادر الى ذهنه هذه التساؤلات ,,, مائة عام من شهداء و سجون و منافي و تشرد و مخيمات و اغتصاب للأرض في هذا الاختزال و التبسيط ,, و لكن بالتأكيد ليس هذا ما قصدته ,, فالسرد التاريخي مختصر و انا مقتنع ان كثير من القراء يمتلكون المعلومات و الحقائق و تأريخ التضحيات ,, بل التضحيات نفسها اكثر بكثير من كاتب هذه السطور ,, اذا ما الهدف منها ؟!
قبل الإجابة اسرد قصة صغيرة حصلت معي في احدى دول الخليج قبل نحو ثلاثين عاما ,,, فقد نشأت صداقة بيني و بين احد الاشقاء السوريين و هو مهندس على درجة عالية من التعليم ,, و في احدى حواراتنا سألني - و يبدو انه رغم تعليمه العالي - ليس لديه معلومات سألني عن الدولة الفلسطينية قبل قيام ( إسرائيل ) اجبته : لم يكن هناك دولة فلسطينية بل هي فلسطين تحت الانتداب و بانت الدهشة على وجهه و ربما ان دراسته و حياته في الولايات المتحدة ساهمت بعدم المامه بالقضايا العربية فقال لي ساخرا : اذا لم يكن لديكم دولة فعلى ماذا تقاتلون و لماذا تبحثون عن الدولة ,, صمت للحظات و دارت بعقلي تساؤلات سريعة و متداخلة ,,هل يحق له هذا السؤال ؟ ام لأنه ينتمي الى دولة و لديه علم و جواز سفر لا يستطيع فهم حالنا ؟ ام ان قضيتنا بهذا التعقيد و التداخل و الغموض ؟ ام انه فعلا لا يحق لنا ان نطالب بدولة لم تكن أصلا موجودة ؟ ام نحن مقصرون في إيصال رسالتنا و حالنا ؟ ام ان الاعلام الغربي نجح في غسل بعض العقول و أقنع بالرواية الصهيونية ؟؟ ام ماذا ,, لأجد نفسي ارد عليه : نقاتل لأجل ماذا ؟! ,,, نقاتل من أجل حريتنا و كرامتنا ,, نقاتل لأن هذه البلاد لم تعرف الخنوع في تاريخها ,, نقاتل لأننا على قناعة تامة ان الظلم لم يستمر في هذه البلاد ,, نقاتل لأننا نتمسك بارضنا و حقنا و حق جدودنا و ابائنا ,,, اما موضوع الدولة ,, ففلسطين موجودة ما قبل تاريخ الغزاة بحضارتها و انتمائها ,,, ثم يا اخي تكاتفوا نحو التحرير و ارجعوها الى بلاد الشام و هذا لا يضيرنا ابدا بل نحن مع إعادة اللحمة لما قسمه سايكس و بيكو ,, انتهى السرد .
ما قصدته من كل ما سلف ,, نحن الفلسطينيون وضعنا في رأس الحربة و وجدنا ان علينا ان نقرر و نحدد المشروع المرتبط بالموازين الإقليمية و الدولية و التعامل مع الواقعية و سياسة فرض الامر الواقع ,, و التعامل مع كل السياسات المحيطة و انجذابات و تحالفات القوى و الدول ,, لنستطيع صياغة و تحديد مشروعنا الوطني ,, فوقعنا في الخلافات منذ البداية ,,, بين مؤيد و معارض لقرار التقسيم ثم بين مؤيد لدولة في حدود 67 و مصر على ان فلسطين بين النهر و البحر ,,, بين موافق على اوسلوا كخطوة نحو الخلاص و معارض لكافة اشكال المفاوضات و الإصرار ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة .
و بنينا الاطار الجامع ( منظمة التحرير الفلسطينية ) لتحرير كامل التراب لتدخل هذه المنظمة المفاوضات المباشرة و تعترف ب( إسرائيل ) مقابل ليس الاعتراف بالدولة الفلسطينية بل الاعتراف بالمنظمة نفسها بعد افقادها هويتها ,,, فبنينا المشروع على ان فلسطين حدودها ما درسناه ,, (من المية للمية ),,, لنستفيق على شبه دويلة تحدها الحواجز العسكرية الإسرائيلية ,, و لنمعن في غينا اكثر فنصطنع كيانات دويلات هزيلة بحكومات و وزارات و اشكال سيادية لنصنع كيانا غزاويا و آخر ضفاويا لا هذا يمتلك السيادة و لا آخر حرا ,,, فتتوه القيادات و يتوه الشعب معها .
نحن الشعب لا نريد حكومة في غزة و لا حكومة في رام الله ,, بل لا نريد حكومات أصلا ,, لانريد وزارات و لا سيادات بل ما نريده ,, العودة الى برنامج وطني يحاسب من قسم و جزأ ,, يحاسب من نزل سريعا عن احد ليجني غنائم من سراب ,,, يحاسب من ساعد في اليأس و هجرة الشباب ,, يحاسب من قتل الروح الوطنية بل وأدها حية ,,, يحاسب كل من اهدر بقصد او بدون قصد تضحيات الشعب ,, المطلوب الآن يا شعبنا و يا ربعنا ,, ليس تحديد شكل و مساحة الدولة ,, بل برنامج الخلاص ,,, رغم كل الظروف الإقليمية و الدولية المحيطة المطلوب الثبات ,,, الثبات على الأرض و التشبث بها وضع برامج الصمود و التحدي و لفظ لغة الفشل و الدونية و الاستسلام .
و اذا كان الجيل الحالي لا يستطيع التحرير فليصمد على ارضه فقط و يحمل للأجيال القادمة رسائل صمود و تفاني لا رسائل تراجع و استسلام ,,, و التفكير و الجهد يجب ان لا يذهب الى تحديد أي شكل دولة نريد من دولة في الضفة و القطاع الى ثنائية القومية الى الدولة الواحدة ,,, المطلوب فقط الآن ثلاثية : الصمود و الحرية و الكرامة.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد