فسحة للرأي

مؤتمر فلسطينيي الخارج… الاستقطاب وتعميق الانقسام

ماجد عزام |
مؤتمر فلسطينيي الخارج… الاستقطاب وتعميق الانقسام

 كتب - ماجد عزام:  بداية لا بدّ من التعبير عن الاحترام والتقدير للقائمين على ومنظمي مؤتمر نصف فلسطينيي الخارج. هم أخوة أصدقاء وزملاء أعزاء والاختلاف في الاجتهاد أو الرأي معهم لا يفسد للود قضية، بأي حال من الأحوال.

انطلاقاً من هذه القاعدة يمكن طرح عدة ملاحظات أساسية حول مؤتمر نصف فلسطينيي الخارج الذي عقد  في مدينة اسطنبول نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي.
بداية؛ عقد المؤتمر بمدينة اسطنبول لا يعيبه أبداً، فقد ضاقت المنطقة والدنيا على منظمي المؤتمر فالعواصم والحواضر الكبرى، تحكمها الفلول والثورات المضادة، وبيروت تخلت منذ زمن عن دورها كنافذة للعالم العربي وشرفته المفتوحة على العالم، وباتت الآن تحت سيطرة وهيمنة الحشد الشعبي الذي يفرض إرادته بقوة السلاح بالداخل، بينما يتماهى مع الغزاة والطغاة والفلول بالخارج.
وإضافة إلى ما سبق فإن اسطنبول ليست غريبة عنّا هي عاصمتنا حاضرتنا الكبرى، أخت عواصمنا وحواضرنا الكبرى، مكة، الشام، حلب، القاهرة، القدس، بغداد، الموصل، تونس، والجزائر، والخرطوم، وهي تستفيق تستعيد وعيها ذاكرتها التاريخية ببطء، لكن بشكل تدريجي ومتواصل.
منظمو المؤتمر قادة ومسؤولين في حركة حماس، والهيئات والمؤسسات التى شاركت فى الاعداد أو عبرت عن دعمها  ومسادنتها للمؤتمر هى تابعة وموجهة من الحركة ، وتمت دعوة بعض الشخصيات من خارج حماس علماً أنهم كانوا بمثابة الاستثناء الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها. وكما تبدي من الندوات التي عقدت على هامش المؤتمر، وحاضر فيها أخوة أصدقاء زملاء جلّهم من حماس، أو العاملين في مؤسسات تابعة لها، مدعومة ومقربة منها، ببساطة  تقف حماس خلف المؤتمر من الألف للياء.
 الى ذلك فقد تم تجاهل  دعوة شخصيات ومؤسسات فلسطينية عديدة في تركيا وخارجها، سواء لجهة نقاش فكرة المؤتمر وكيفية إنجاحها، وحتى في تحديد الدعوات والمشاركين والأساس المتين، الذي سينطلق منه المؤتمر ببساطة اتفقت نواة ومجموعة من حماس، وقررت إقامة المؤتمر وفق اجتهادها أهدافها أجندتها، ومن ثم تم التفكير في المدعوين أو الشخصيات التي بإمكانها التساوق والتأييد أو عدم معارضة الإطار المحدد له.
من هنا  بدا مؤتمر اسطنبول في الحقيقة أقرب إلى مؤتمر الجالية الفلسطينية بأوروبا، الذي ترعاه وتدعمه حماس مباشرة – ثمة مؤتمرات وجاليات أخرى مدعومة من فتح أو فصائل منظمة التحرير - ومن شارك من خارحها هم نفس الشخصيات التي كانت تتم دعوتها للخطابة والمحاضرة في مؤتمر الجالية الفلسطينية بأوروبا. أى أننا أمام تغييب وتجاهل لنصف الجاليات الفلسطينية بالخارج وفق ما يتبدى من المؤتمرات المتعددة  لهم التى تعقد فى أوروبا تحديداً. 
 أما البيان الختامي للمؤتمر فقد تحدث عن منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي، وليس الوحيد للفلسطينيين دون إقامة التمييز الضروري واللازم بين المنظمة كوطن معنوى لنا أينما كنا، واللجنة التنفيذية  بصفتها الهيئة الإدارة التي تديرها وهي بالتأكيد غير شرعية غير ميثاقية غير ديموقراطية، ولا تعبر عن الواقعي، والمشهد السياسي الحزبي الحالي في فلسطين.
لا يمكن الجدال أو تجاهل حقيقة أن المنظمة أو بالأحرى لجنتها إدارتها التنفيذية لا تقوم بواجبها كما ينبغي، وهي تتجاهل منذ إتفاق أوسلو وعن عمد فلسطينيي الخارج، وفى الحقيقة تم ابتلاع المنظمة من قبل السلطة، التى تتصرف وكأنها تخص فلسطينيي الداخل فقط. ومن هنا لا يمكن إنكار حق أو اتهام من ينطلق للعمل لملء هذا الفراغ والقيام بأنشطة سياسية إعلامية اجتماعية نقابية فلسطينية في الخارج، غير أن هذا برأيي يجب أن ينطلق بوضوح ودون لبس أو شك من قاعدة أن المنظمة هي وطننا المعنوي، ولا مشكلة طبعاً مع الوطن الذي لا يشيخ أبداً، والمشكلة هي فقط مع الحكومة التي تدير الوطن وبمجرد إعادة الحياة والحيوية إلى شرايين ومؤسسات المنظمة وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة بشكل ديموقراطي وطني شفاف ونزيه، فإن كل ما يعمل حالياً أو يجتهد لملء الفراغ سيضع نفسه بتصرف القيادة الجديدة بصفتها المرجعية لكل الفلسطينيين في الداخل والخارج.
 الأمر اللافت الاخر فى البيان الختامى كان الموقف المخجل والمشين من الثورات العربية التنكر لها، وإبداء الحياد تجاهها، ورغم أن المؤتمر شعبي ويفترض أنه يتحرر من القيود الرسمية، وحتى من اللغة الديبلوماسية، إلا أنه تبني لغة رسمية ومحايدة تجاه الثورات، وبدلاً من الانحياز للشعوب الثائرة ضد أنظمة الاستبداد التي قهرت وقتلت من الفلسطينيين أكثر مما فعلت إسرائيل. تم الحديث عن حياد تجاه المحاور المتصارعة رغم أن هذه هي لغة الفلول والثورات المضادة، فقد تم صبغ الثورات بالدم واستجلاب ميليشيات طائفية مذهبية أجنبية وحتى غزاة - كما في الحالة الروسية لروسيا - لدعم الأنظمة الأقلية الحاكمة بالمعنى الطائفي الحزبي السياسي ثم تم تمويه الواقع والحديث عن تباينات وخلافات بين محاور سياسية، لا بد بالتالى من عزل القضية الفلسطينية عنها، وليس عن ثورات وتناقضات بين الشعوب وسلطات الاستبداد الحاكمة، التى فشلت في امتحانات الخبز الحرية الكرامة، وقبل ذلك وبعده امتحان فلسطين الكبير.
 الى ذلك تم تعمد اختيار شخصيات من خارج حماس لرئاسة او إدارة المؤتمر لنفي أو التمويه على  قيادة أو رعاية حماس له، والملفت أنهم جميعاً بلغوا من الكبر عتيّاً يفترض أن يأتوا كضيوف ويقدموا نصائحهم أو تصوراتهم  للأجيال الجديدة. لكن لا أعتقد ومع كل الاحترام لهم أنهم يملكوا القدرة لتقديم شيء جديد، خاصة أنهم كانوا جزء من الطبقة أو المنظومة السياسية، التي أوصلت المشروع والقضية إلى ما وصلا إليه. وكان عليهم قبل كل شيء أن يجيبوا على سؤال كيف وصلنا إلى هنا _مع ترك إجابات ووسائل الخروج للشباب والأجيال الجديد. خاصة سؤال  الى أى حد أثّرت منظومة الاستبداد العربية على القضية، وكيف تم استنساخ تلك المنظومة فلسطينياً بشكل ملطّف مع اللجنة التنفيذية، وأكثر فظاظة وفجاجة مع السلطة. وهذا سيوصلنا حتماً إلى حقيقة أن مصيرنا مرتبط بمصير الثورات وإفشالها يعني إدامة واستنساخ وإعادة تحديث المنظومة التى أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه من عجز وهوان عربياً وفلسطينياً. 
 عموما فان المؤتمر يمثل فى أحسن الأحوال نصف فلسطينيي الخارج، وهو تعبير عن الانقسام، وليس حلاًّ أو علاجاً له، وللأسف فقد عمق الانقسام والاستقطاب، ومع طابعه الحزبي والسياسي لم يضع حلول جدية تجاه المصالحة، خاصة مع لهجة أو خطاب التكفير السياسي التخويني الذي اتبع من قبل بعض المتحدثين.
نهج عرفات أبو مازن سار على نفس الطريق بشكل أسواء وأقل صلابة وتصميماً لكن النهج نفسه 
 فى الأخير وباختصار أفهم؛ وأؤيد رغبة وحق فلسطينيي الخارج، خاصة الشباب منهم  في التعبير عن أنفسهم وملء الفراغ الذي تركته اللجنة التنفيذية للمنظمة، وليس المنظمة كوطن، ولكن هذا يجب أن يتم على قاعدة وطنية فكرية سياسية. واضحة المنظمة كوطن لا خلاف أو صراع معه، والخلاف والتباين واقع مع الهيئة الهرمة الفاسدة التى تديره هذا الى جانب الانحياز الراسخ للثورات التي اندلعت في وجه الدول العميقة المتوحشة بحثاً عن دول عربية مدنية ديموقراطية لكل مواطنيه، وحتماً لا يمكن فصل نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية الكرامة الاستقلال وتقرير المصير عن حق الشعوب العربية في فعل الشيء نفسه. الشعوب التي احتضنت الفلسطينيين وساهمت بكل ما تستطيع من أجل القضية الفلسطينية وتحملت لعقود أنظمة الاستبداد القهر والاستبداد بحجة وذريعة تحرير فلسطين، وأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، التي اتضح أنها لمصلحة السلطة النظام والعائلة وضد الشعوب نفسها، وليست ضد الاحتلال الإسرائيلي أو الاحتلالات الأخرى على اختلاف مسمياتها وأشكالها.

* باحث وإعلامي فلسطيني
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد