فسحة للرأي

الشرير أردوغان!!

صلاح حميدة |
الشرير أردوغان!!

 كتب - صلاح حميدة:  لا يعود  إعجاب الجمهور العربي والمسلم بتجربة تركيا، بقيادة أردوغان، لكونه سلطانا ولا خليفة، ولا لأنه متأنق أوجميل المظهر، أو خطيبا مفوها، ولكن لهذا الافتتان بالتجربة الأردوغانية أسبابا أخرى. 

فقد تنقل الفتى أردوغان من كونه  بائعا متجولا، فلاعب كرة قدم هاو، إلى رئيس بلدية أهم مدينة في تركيا، ثم إلى رئيس وزراء، فرئيس، فقائد يحمل على عاتقه  أكبر عملية تحول حضاري في تاريخ تركيا المعاصر، تحول لم يتعامل مع القضايا المادية فقط، ولكنه تجاوزها الى منهج التفكير والرؤية المستقبلية، أخذ من الماضي، واستخدم الحاضر، ومزج من خلالهما وصفة النهضة والتقدم، فمن يتابع سلوك الرجل وفريقه يلحظ أنهم يسيرون عبر رؤية واضحة تنقل بلدهم من دولة فقيرة فاسدة بلا تأثير إلى دولة تتجاوز كونها قوة إقليمية وتسعى إلى الريادة العالمية، مما أثار حنق دول أوروبا وغيرها من الدول الفاعلة في الإقليم والعالم، التي أزعجها  تعاظم دور وقوة تركيا بقيادة أردوغان وفريقه.
أثارت تجربة الأتراك حنق غالبية الساسة العرب  الذين تربعوا على عرش شعوبهم بقوة السلاح، وقادوا تلك الشعوب الى واقع اسوأ بكثير من الذي عاشه الأتراك قبل أردوغان، بل زاد حقد تلك الجهات الرسمية والحزبية على التجربة التركية بعد ثورة الربيع العربي ضد الفساد والاستبداد، فقد أدركت تلك القوى أن أهم ما في التجربة التركية أنها تجربة ملهمة لشعوب المنطقة، وأنها أوصلت قناعة لتلك الشعوب بأنها يمكن أن تنهض وتنعم بالحرية السياسية  وبالعدالتين الاجتماعية والاقتصادية، واعتبروا أن التجربة التركية تسببت وستتسبب بالثورات ضد انظمة الفساد والاستبداد والتبعية.
من الواضح أن معركة الأتراك الكبرى تعلقت بالتخلص من التبعية للخارج، ولذلك لوحظ توتر علاقة تركيا مع كل القوى التي فرضت عليها واقع الاغتراب والهزيمة بعد الحرب العالمية الأولى، بل لوحظ فقدان تلك الجهات لاتزانها في تعاملها مع الاستفتاء وجولات الانتخابات التركية ، بينما وقفت تلك الجهات مع انقلابيين وسفاحين قتلة ذبحوا وشردوا شعوبهم ودمروا بلادهم من أجل البقاء على كرسي الحكم وسرقة مقدرات الشعب، وباعوا أنفسهم ومستقبل بلادهم وشعوبهم للقوى الدولية.
تعتبر فكرة اختيار الشعب من يمثله ويحكمه عبر الانتخابات، واختيار الدستور واختيار شكل الحكم من الأفكار التي يتعطش لها الجمهور، فالجمهور لا يريد حاكما ورث الحكم عن أبيه، ولا حاكما معه صك يقول إنه رباني، أو إنه من نسل الأنبياء، ولا الحاكم بأمره، ولا أي حاكم مستبد تحت أي عنوان مضلل. 
تعتبر فكرة النجاح من الأفكار التي تجذب الشعوب إلى التجربة التركية، ولا يختلف اثنان بأن تجربة الأتراك في الإدارة   قادت إلى النهضة على كل الأصعدة،  بل ترى تلك الشعوب  حجم الفشل الإداري والدمار والتخلف الذي يتسبب به حكامها لدولهم ولمجتمعاتهم، فحتى مشكلة القمامة والأزمات المرورية لا يستطيعون حلها، ويقارنون بين حالهم وحال جيرانهم الأتراك بألم وغضب.
إن سر النهضة في أي مكان متعلق بنظافة اليد، لأن اللصوصية لا يمكن أن تسمح بنهضة أي أمة، ويلاحظ كل العرب والمسلمين كيف انتقلت تركيا من مقعد المتسول إلى مقعد الذي يمتلك فائضا ماليا ويتمنون أن تصبح بلادهم كذلك، فالدول العربية تمتلك إمكانيات مادية وبشرية أكبر بكثير من الأتراك، ولكن حجم الفساد والسرقة يمنع أي نهضة وأي رفاهية حقيقية في تلك البلاد ويدفع بشعوبها إلى  الهجرة إلى الدول الأكثر رخاء وحرية.
الواقع يقول إنه إذا فتح باب الحرية للشعوب فإنها لن تختار إلا الأصلح؟ والأنظف كفا، والأنجح في الإدارة والاقتصاد، والأنقى فكرا والأكثر فهما ، وحتى لو اختارت غيره _مؤقتا_ فإن نظام الاختيار الحر سيعطيها الفرصة لتصويب الخطأ، هذا هو الذي يثير إعجاب الشعوب بالتجربة التركية، فالحرية تشعر الإنسان بقيمته وأهميته وتبين له أنه ليس عضوا في قطيع من المصفقين والمنافقين، أو من المغضوب عليهم المسجونين والمحرومين والمشردين.
حطمت التجربة التركية فكرة أن الدولة ومؤسساتها مطوبة للحاكم وحاشيته وحزبه، ورسخت فكرة التداول السلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع، ويعتبر هذا الصنم المعبود من آلهة الشر في العالم العربي، فالانظمة السياسية والموالين لها يعتبرون أن الدولة و مؤسساتها ملك مورث لهم وإن الاقتراب منه كفيل بإشعال الحرب الأهلية في تلك الدول.
تركيز الاتهامات على اردوغان كشخص نابع من ثقافة العبودية التي لا زالت مستفحلة في حالة التعفن السياسي والفساد، ولكن كل تلك الاتهامات لا تصمد أمام سحر النموذج التركي، فمهما قال الطالب الغبي في حق الطالب الذكي الناجح فلن يلتفت إليه أحد، إنجحوا مثل "الشرير" أردوغان ثم اتهموه بما تريدون.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد