فسحة للرأي

حماس إذ تدفع ثمن أخطائها وأخطاءغيرها

ماجد عزام |
حماس إذ تدفع ثمن أخطائها وأخطاءغيرها

 كتب - ماجد عزام:  بدت حركة المقاومة الإسلامية حماس عبر وثيقة المبادىء والسياسات العامة التي أعلنتها في الأول من أيار /مايو وكأنها تدفع ثمن الأخطاء المتراكمة التي ارتكبتها في السنوات العشر الماضية، كما ثمن الأخطاء التي ارتكبها آخرون غيرها في الساحة الفلسطينية، وحتى العربية وتحديداً في الجوار الجغرافي السياسي المباشر لفلسطين.

نظرياً؛ يمكن القول أن الوثيقة تأخرت عشر سنوات على الأقل. فالحركة وصلت إلى السلطة وطرحت نفسها كقائد للشعب الفلسطيني، وكان يجب أن تطرح عليه برنامجها السياسي، وفي الحد الأدنى تحديث للميثاق الذي كان بمثابة برنامجا لها ، وحتى لو افترضنا أن الأمر كان متعذراً بعد الانتخابات مباشرة في عام 2006، ثم بعد الاقتتال والانقسام في 2007، فإن الظروف كانت مؤاتية بعد حرب غزة الأولى2008، التي شهدت آنذاك  التواصل مع الحركة من قبل القيادة المصرية وأطراف اقليمية أخرى  بصفتها قوة أساسية على الأرض لا يمكن تجاوزها، كما شهدت تلك الفترة أول تواصل مباشر بعد تباعد لسنوات بين قيادات الداخل والخارج في القاهرة ودمشق على حد سواء.
يمكن الحديث عن ثلاث نقاط أو بنود أساسية ومركزية في الوثيقة، وهي التي وقفت مباشرة خلف الحاجة إليها وصياغتها، وتمثلت بقبول دولة فلسطينية ضمن حدود حزيران/ يونيو 67 مع حق العودة للاجئين ودون التنازل عن باقي فلسطين التاريخية، واعتبار حماس حركة وطنية فلسطينية تواجه المشروع الصهيوني في فلسطين، وليس اليهود باعتبارهم يهود، وارتباطاً بكونها حركة وطنية فلسطينية، فإنها لا ترتبط تنظيمياً بأي إطار تنظيمي خارجي، مع البقاء فكرياً ضمن المنظومة أو الإطار الفكري  لجماعة الإخوان المسلمين.
فيما يتلعق بالبند المتعلق بالدولة، فهو بدا وكأنه إقرار صريح بحل الدولتين، الذي قبلته منظمة التحرير منذ عقود طويلة، ومن ثم بات شرطاً للتوافق الوطني الفلسطيني الداخلي مع الانتباه إلى أن حماس قبلت بذلك أصلاً منذ سنوات عبر وثيقة الوفاق الوطني، وثيقة الأسرى حزيران/ يونيو 2006 ثم وثيقة المصالحة وثيقة القاهرة أيار/ مايو 2011 وورد الأمر كذلك في خطب وتصريحات معظم قادة الحركة، بما في ذلك رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في كلمته أثناء حفل التوقيع على وثيقة المصالحة بالقاهرة.
الإقرار بحل الدولتين واعتباره الخيار الوحيد المطروح على الأجندة الوطنية ليس خطأ حماس في الحقيقة، بل خطأ فتح والمنظومة السياسية بشكل عام التي تبنه رسمياً-تبنته ضمنيا قبل ذلك  عام 1974 عبر البرنامج المرحلى أو برنامج النقاط العشر - عام 1988 في الجزائر، بينما كانت أسس المشروع الاستيطاني الهادم للحل، قد وضعت وثبتت فعلاً، وبينما تم إعلان الاستقلال وفق قرار التقسيم 181 عام 1948، رسمت حدود الدولة وفق حدود حزيران/ يونيو 1967 وقرار 242 الصادر بنفس العام علماً أن التقسيم لم يكن يوماً حلاً لأي شعب ثائر في مواجهة القوة المستعمرة.
للأمانة أيضاً فإن حل الدولتين لم يبدأ مع فتح والمنظمة، بل أن هؤلاء كما حماس كانوا ضحية النكبة الثانية عام 1967 التي سماها مرتكبوها نكسة، كي لا يدفعوا الثمن، والتي تم بعدها القبول بقرار 242، ومن ثم مشروع روجزر أو ما يعرف حالياً بحل الدولتين، واختصار فلسطين بالضفة الغربية وغزة أي 22 بالمائة من أرض فلسطين التاريخية وعملياً  فقد تم تغيير القضية بعد رفض المحامون الفاشلون للتغيير وفق العبارة الرائعة للشهيد غسان كنفانى .
البند المهم الآخر في الوثيقة ذاك المتعلق بفك الارتباط التنظيمي عن جماعة الإخوان المسلمين، وهو جاء متأخراً جداً قياساً لما فعله مثلاً الشيخ المفكر العبقري الشيخ حسن الترابي في السودان فى ستينيات القرن الماضى اى  قبل خمسين سنة تقريباً، وفكرة التنظيم الدولي نفسها باتت متقادمة، وعفا عليها الزمن، وكان يجب أن يبادر الإخوان المصريون أنفسهم إلى حله تحديداً  بعد الثورات، كما كان يجب عليهم أن يفصلوا بين الديني والسياسي والانكباب على العمل السياسي والحزبي ضمن أطر حزبية سياسية ديموقراطية وترك الإخوان للعمل الدعوى، كما فكروا فعلاً، ولكن بشكل متأخر وخجول.
فك الارتباط عن الإخوان لا يرتبط بهذه الناحية فقط، وإنما بالناحية السياسية أيضاً، ولولا الأخطاء والكوارث التي ارتكبها هؤلاء في مصر - وبدرجة أقل ليبيا - ولولا النكبة التي أنزلوها بأنفسهم بالثورات بنا بغزة بفلسطين والإقليم كله، لما اضطرت حماس بشكل عام لتقديم أي تنازلات أو السعي لاسترضاء هذا الطرف أو ذاك.
أما البند المتعلق بالصراع مع اليهود، فهو كما البنود السابقة جاء متأخراً جدّاً وما كان بجب أن يحدث في أصلاً ومن البداية  فقد عبر الأمر عن عدم خبرة سياسية، رغم أنه يتنافى مباشرة مع روح الشرع الإسلامي. فالصراع لم يكن يوماً مع اليهود كدين، وهؤلاء زمن الدول والأمبراطوريات الإسلامية، وخاصة الدولة العثمانية الجامعة، عاشوا بيننا في أحياء وحارات، ليست جيغيوتوهات منغلقة، كما في أوروبا، وإنما منفتحة على نفسها ومحيطها مندمجة في المجتمع في سياساته الاقتصادية الاجتماعية، وحتى السياسية في بعض الأحيان.
بشكل غير مباشر بدت حماس وكأنها تدفع أيضاً ثمن سيطرتها على السلطة في غزة، وعجزها عن حلّ مشاكل الناس أو الأزمات المتفاقمة التي يعاني منها القطاع، تبدو الوثيقة من هذه الزاوية بمثابة دعوة لتخفيف الحصار أو المساعدة في تحسين الأوضاع، وبالتالي تنفيس الاحتقان والنقمة الشعبية المتزايدة ضد الحركة وسياساتها. 


حماس تدفع كذلك بشكل أو باخر ثمن العسكرة التي تبنتها قيادة الداخل بشكل عام، والجناح العسكري بشكل خاص بمعنى تحويل المقاومة إلى جيش وخوض حروب تقليدية أو شبه تقليدية مع إسرائيل. العسكرة التي كانت بمثابة وقوع في فخ العسل الإيراني واستنساخ ما للنموذج اللبناني الكارثي، والعسكرة أدت فيما أدت إليه إلى تضخم متطلبات ومسؤوليات الحركة، كما إلى الاستلاب لنمط معين من المقاومة، وإلى مزيد من التشبث بالسلطة، أو ولو في بعدها الأمني، واعتبارها ضرورية وحاجة ماسة للدفاع عن الحركة ومكتسباتها. 
حماس تدفع كذلك ثمن الانقسام التي لم تكن وحدها مسؤولة عنه، ولكن للحقيقة فإن تيار مهم فيها استسهل الاحتكام إلى القوة للحل الخلافات الأساسية دون الانتباه إلى أسئلة المعبر الحصار المياه والكهرباء الاقتصاد الاجتماع وحاجات الناس، وهي تدفع بالتالى ثمن عدم المبادرة بأسرع وقت ممكن لإنهائه والتحلل منه باعتباره عبء وليس ذخر للتفرغ للمقاومة على الأقل، وهي تدفع أيضاً ثمن عدم استغلال سنوات صعود الثروات العربية لإنهاء الانقسام من موقع قوة أو على الأقل من موقع نديّ بعيداً عن خيارات الاستسلام أو الهزيمة التي يطرحها عليها حالياً الرئيس عباس بشكل غير أخلاقي وانتهازي.
  فى سياق الوثيقة كذلك بدت لافتة ردود الأفعال الفلسطينية تحديداً، ومن قبل الأطراف التي ارتكبت الأخطاء التاريخية التي اضطرت حماس للتعاطي والتأقلم معها، مثل حلّ الدولتين في الحالة الفتحاوية، بينما بدت ردود فعل شهود الزور أو الكومبارس من إسلاميين ويساريين انتهازية ومنافقة  فى اقل تقدير كونهم جاروا بل زايدوا حتى على حماس في بعض خيارتها و وتحديداً عسكرة المقاومة في غزة، كما تبدي في الحروب المدمرة الثلاث.
أما قمة النفاق والانتهازية فتمثلت برد فعل نائب رئيس الحشد الشعبي اللبناني الذي تبجح برفض الاعتراف بمقاومة لا تبحث عن تحرير كل فلسطين أو تساوم على هذا الجزء أو ذاك منها، وهو المتورط في قتل الشعوب العربية، تدمير حواضرنا العربية الإسلامية الكبرى فى حلب  بغداد والموصل، التي كانت حاضرة دوماً في مواجهة الغزاة وتحرير فلسطين، وقبل ذلك وبعده فقد تحول إلى مجموعة ميليشياوية مذهبية طائفية تقاتل تحت لواء أمبراطورية الدم والوهم الفارسية، ولا يملك الحق الأخلاقي، ولا حتى السياسي في إعطاء الدروس لحماس أو للفلسلطينين بشكل عام.
في الأخير وباختصار بدت الوثيقة معبّرة عن مأزق حماس والطبقة السياسية الفلسطينية بشكل عام بدت معبّرة عن تعثر الثورات وطغيان وتسلط الثورات المضادة، ولكنها  من جهة أخرى لا يمكن أن تنال بل هي تؤكد حقيقة حماس بصفتها التنظيم المركزي الرئيسي على الساحة الفلسطينية، الذي لا يمكن تجاوزه سلماً أو حرباً، وأنها حركة المقاومة الرئيسية والوحيدة بالمعنى الحقيقي للكلمة في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين والجزء الأكثر حياة وحيوية فى الجسد السياسى الفلسطينى المعتل .
 
* باحث وإعلامي فلسطيني
 
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد