الزاوية الاقتصادية

«اقتصاد فلسطيني مقاوم» .. ردا على قرصنة أموال المقاصة

|
«اقتصاد فلسطيني مقاوم» .. ردا على قرصنة أموال المقاصة

كتب - رومل شحرور السويطي *  أجمعت العديد من الشخصيات الأكاديمية والوطنية والاقتصادية، على ضرورة الاصطفاف الوطني الرسمي والشعبي في مواجهة قرارات الاحتلال المجحفة بحق شعبنا وسلطته الوطنية، والتي كان من بينها قرار «الكابينت» الإسرائيلي بقرصنة ما يزيد عن النصف مليار شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينية. ودعا العديد ممن التقاهم "حياة وسوق" الى ضرورة تفعيل مقاطعة منتجات الاحتلال ضمن آليات وطنية موحدة، وتشجيع الاستثمار واهمية وجود منتج وطني عالي الجودة ومنافس للمنتجات الاسرائيلية قدر المستطاع.

استاذ الاقتصاد د. سائد الكوني من نابلس، شدد في حديثه مع "حياة وسوق" على ضرورة التفاف الجماهير والقادة المحليين وفصائل منظمة التحرير وعلى راسها فتح حول القيادة، موضحا بأن وجهة نظره الشخصية في هذا الموضوع الهام، بان هناك ضرورات وطنية هامة تقع على عاتق الجميع بالعمل على توعية الجماهير ومنع طمس الهوية الفلسطينية وتوعية الجماهير باستحقاقات المرحلة المقبلة حتى تكون على قدر المسؤولية. 
وقال الكوني ان قرار «الكابينت» الإسرائيلي بقرصنة ما يزيد عن النصف مليار شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينية، جاء تحت ذريعة أن هذا المبلغ يوازي ما تحوله السلطة لعوائل الأسرى والشهداء، ليشكل خطوة أخرى من جانب إسرائيل وحليفتها الادارة الأميركية في محاولة بائسة يائسة لتركيع الشعب الفلسطيني وقيادته وتفكيك السلطة الوطنية وترسيخ فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ضمن الإجراءات العملية التي باشرت إدارة ترامب في تنفيذها لتصفية القضية الفلسطينية، ضمن ما بات يُعرف بـ"صفقة القرن”. وأشاد الكوني برد القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس ابو مازن ورئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، واللجنة المركزية لحركة فتح، بعدم القبول "بأي مساس بلقمة عيش أبطالنا الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى". واعرب الكوني عن اعتقاده أن الرد المناسب على سلسلة الإجراءات الإسرائيلية الأميركية، يتطلب منا جميعاً الوقوف صفاً واحداً في التصدي لهذه القرصنة الإسرائيلية لأموالنا والعنجهية الأميركية المساندة لها في التعامل مع قضيتنا وحقوقنا، كلٌ في موقعه ومجاله كـفرض عين، لا كفاية يسقط عن الفرد بقيام الآخرين به. 
وقال بان الحكومة الفلسطينية قامت ببناء الخطط والاستراتيجيات لبناء اقتصاد فلسطيني مقاوم، توجتها في كانون أول 2016 بإقرار أجندة سياساتها الوطنية التي حملت شعار "المواطن أولاً"، واتخذت ما يلزم من إجراءات ناجعة هدفت إلى تقليل الاعتماد على الاحتلال الإسرائيلي في تنمية الاقتصاد الفلسطيني، وفي نفس الوقت، عززت ودعمت المنتج المحلي، وذلك ما يتضح جلياً في التراجع الحاد في نسبة مساهمة ما يتم استيراده من إسرائيل، حيث انخفضت من 71% في العام 2012 إلى ما دون 58% في 2017، في مقابل زيادة الصادرات الفلسطينية بما نسبته 142% في مقارنة ما بين عامي 1997 و 2016، لتتجاوز في العام 2017 حاجز المليار دولار مقارنة بما قيمته 400 مليون في العام 1997. وقال ان العديد من الإجراءات الحكومية في القطاع الاقتصادي بشكل عام، كان لها بلا شك الأثر الإيجابي في التوسع الأفقي للوعاء الضريبي بما يعمل على رفد الخزينة بموارد مالية محلية إضافية، دون اللجوء إلى التوسع الضريبي العمودي الذي يفرض أعباء مالية إضافية على المواطن الملتزم ضريبياً، واعرب عن تمنياته أن يتعزز هذا النهج الحكومي في مواجهة التحدي الأخير المتعلق باقتطاع مخصصات الأسرى والجرحى من أموال المقاصة.
وقال بأنه شخصيا يرى ان شعار "المواطن أولاً"، بما يحمله من تعزيز وجود المواطن الفلسطيني على أرضه في ظل الصلف الإسرائيلي والتواطؤ الأميركي، يجب أن يُشكل الرؤية الواضحة التي تطمح وتعمل لها أية حكومة فلسطينية قادمة، واضاف أن هنالك حاجة وضرورة ملحة لتطوير واعتماد استراتيجية وطنية شاملة لتحقيق المزيد من الترشيد والضبط للنفقات العامة، بالرغم من أن العام 2018 شهد انخفاضاً في النفقات الحكومية بما نسبته (8%) مقارنة مع عام 2017، متزامناً مع انخفاض الدعم الخارجي بنسبة (6%) عن الفترة نفسها، ما يؤكد على أهمية مواصلة هذا التوجه في السياسات الحكومية المستقبلية. هذا بالإضافة إلى العمل المشترك الحثيث من كافة مكونات السلطة ومؤسساتها لإحياء وتوسيع شبكة الأمان المالي، عربياً ودولياً، من خلال البحث عن مصادر تمويل جديدة من دول تعتبر مساندة لحقوق شعبنا التاريخية في أرضه ومقدساته وتدعم نضاله نحو الحرية والاستقلال. 
ومن جانب آخر - يضيف الكوني- لا بد من تكثيف الجهود لحشد دعم المجتمع الدولي للتصدي لهذه الممارسات والإجراءات الإسرائيلية والأميركية العنصرية والمجحفة بحقوق أبناء شعبنا.
وانتهى الكوني الى القول ان على المواطن الفلسطيني إرسال رسائله الخاصة للإسرائيليين التي يظهر فيها تضامنه مع قضايا الشهداء والأسرى والجرحى وعوائلهم، والدفاع عن حقوقهم المالية كمكون رئيس وهام في منظومتنا المجتمعية. وأن يلعب دوراً فاعلاً في تكبيد الاحتلال خسائر مالية جسيمة نتيجةً لقراراته العنجهية المستهينة بردة فعلنا، من خلال مقاطعته للمنتجات الإسرائيلية، والتي لا زالت تُشكل نسبةً لا يستهان بها من قيمة وارداتنا السلعية، حيث بلغت ما نسبته 56% من أصل ما يقارب 495 مليون دولار أمريكي وفق بيانات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني لشهر أيار 2018.
الخبير في الكهرباء والطاقة المهندس سلام الزاغة من نابلس، قال انه من الجلي تماما ان تسارع ما يسمى بصفقة القرن وتطبيقها على ارض الواقع ، قبل اعلانها ، بما في ذلك التطبيع بين اسرائيل والانظمة العرية ، قد بات امرا يتطلب بناء اكبر جبهة عريضة مع القوى الشعبية العربية و العالمية لمواجهنها. و لعل تصليب الجبهة الداخلية من خلال انهاء و تصفية الانقسام و الدفاع عن م.ت.ق  يقع فى رأس الاولويات.
واضاف انه في إطار صفقة القرن تندرج محاولات الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل وبعض الانظمة العربية في حصار الموقف الفلسطيني الرافض لها، ومحاولة تركعيه، عبر وسائل الابتزاز المالية و الاقتصادية والتي بدأت بوقف المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة والمقدرة بحوالي 844 مليون دولار بما في ذلك وقف عمل الUSAID وما ينتج عن ذلك زيادة حجم البطالة. واعرب الزاغة عن اعتقاده انه في هذا الإطار يأتي الإجراء الإسرائيلي في قرصنة أموال المقاصة والتي هي حق مطلق لأبناء شعبنا بموجب اتفاقيات أوسلو واتفاق باريس الاقتصادي ويأتي ذلك في ظل موقف عربي متساوق مع الحل الأمريكي و موقف ضبابي من الاتحاد الأوروبي و جبهة داخلية فلسطينية ممزقة. 
وقال ان تصليب الجبهة الداخلية وتعبئتها استعدادا للرد على هذه الممارسات والقرصنة يأخذ الأولوية القصوى خاصة بعد انتشار ثقافة الاستهلاك بين أوسع الفئات الشعبية والوسطى والمكبلة بديون البنوك وهمّ سدادها مقام ثقافة الصمود والمقاومة وبناء مجتمع قادر على الوقوف في وجه المؤامرات . 
ودعا الى ضرورة مراجعة والاستفادة من تجارب الانتفاضة الأولى وشقها الاقتصادي المبني على المقاطعة وإحلال البدائل المحلية وبناء الاقتصاد المنزلي وتعزيز ثقافة "العونة" مما من شأنه الإضافة النوعية لمواجهة صفقة القرن وتبعاتها الاقتصادية، وإيجاد حل لموضوع الديون المتراكمة على جمهور واسع من الموظفين وغيرهم من الفئات المسحوقة والتي قد تتضرر بصورة مباشرة من تدني دخل السلطة الوطنية نتيجة استفحال الحصار وقرصنة أموال شعبنا.
كما شدد على ضرورة ترشيد النفقات الحكومية بما في ذلك الرواتب وعدم المساس بصغار الموظفين وملاحقة المتهربين من دفع الضرائب للقيام بواجبهم بدفعها وبناء اقتصاد مقاوم بالاستفادة من تجارب مجتمعات وحكومات أخرى كانت قد تعرضت وما زالت للحصار الإقتصادي الأمريكي الظالم و تفعيل دور رجال الاقتصاد و الخبراء المحليين وأساتذة الجامعات لمشاركتهم في صياغة هذا الإقتصاد المقاوم.  
القيادي في الجبهة الشعبية زاهر الششتري من نابلس، قال ان الاحتلال يقوم باتخاذ إجراءات حاسمة باتجاه تطبيق صفقه القرن على أرض الواقع والتواطؤ في ذلك من راعية الإرهاب العالمي الولايات المتحدة الأمريكية وبتواطؤ عربي رسمي وهذا ما ظهر بوضوح في مؤتمر وارسو .
واشار الى أن إقدام الاحتلال على استقطاع مبالغ مالية كبيرة من المقاصة بحجه قيام السلطة بدفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى والجرحى، يتطلب اتخاذ خطوات واضحة تتمثل بالعمل على تطبيق ما جاء من قرارات المجلسين الوطني والمركزي بالانفكاك عن الاحتلال ووقف التنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي وإنهاء الانقسام والتوجه لتعزيز المقاومة بكل أشكالها وتعزيز المقاطعة، وقال يجب أن تكون هذه الردود استراتيجية وليست تكتيكية، الى جانب إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير على أسس كفاحية وديمقراطية  وانها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده.
رجل الاعمال المغترب في رومانيا جمال عمر قادري من نابلس، قال في حديثه مع "حياة وسوق" ان موضوع المقاصة ووقف تحويل مخصصات السلطة شيء لا احد يستطيع الكلام عنه، الا اصحاب السلطة لانه نتيجة اتفاقيات اوسلو لذلك لا مجال للرد او التعليق على هذا الموضوع، سوى بعبارة واجدة وهي انه اذا نقض الاحتلال العهد والتوقيع والاتفاق وكذلك امريكا الحاضنة لهذه الاتفاقيات، فلماذا نحن متمسكون بها، واعرب قادري عن اعتقاده الجازم ان الاحتلال لا يعنيه ولا يهمه شيء سوى الأمن، كما لا يعنيه قبول شعوب الدول العربية بالتطبيع مع اسرائيل، وما يهمه فقط التنسيق الامني مع الحكام.
وأوضح قادري أن تفعيل مقاطعة الاحتلال هو أمر ضروري وملح، ولكن بشرط ايجاد البديل، والبديل يجب ان يكون ليس بمجرد وجود منتج وطني، ولكن بجودة تضاهي او على الاقل تكون بمستوى الاسرائيلية أو المستوردة، وهذا يتطلب عمل مكثف من السلطة الفلسطينيه وخاصه هيئة المواصفات والمقاييس وهيئة حماية المستهلك، فالاولى يجب عليها مراقبة المنتج الذي يجب ان يكون مطابق للشروط وضمانة للمستهلك بانه يستحق ان يدعم كمنج وطني وحاصل على شهادة "الآيزو"، والثانية حماية المستهلك لضمان نبض المستهلك.
رجل الاعمال عامر بدر اسماعيل من نابلس دعا الفصائل الفلسطينية دون استثناء الى العمل الجاد على مقاطعة البضائع الاسرائيلية ومطالبة السلطة وقف التنسيق الامني.  واشار الى ان المواطن يجب ان يعي تماما أن كل شيقل يدفعه للاحتلال يكون سبب في حسرة ام على طفلها او حسرة ولد على والديه، وعلينا جميعا أن نكون شركاء في المواجهة، وان يكون شعارنا جميعا  قاطع وقاوم.

ودعا رجل الاعمال المعروف نبيل اسليم، الى ضرورة تقليص ميزانية السلطة لدرجة التقشف ضمن المرحلة الأولى، ووضع الدول الشقيقة ودول العالم الحر أمام مسؤوليتهم تجاه الشعب الفلسطيني لدعم ميزانية السلطة، وهذا يتطلب حراكاً دبلوماسيا سريعاً من وزارتي الخارجية والإعلام، وتحرُك دبلوماسي لأهداف اقتصادية لتشجيع الدول الصناعية، لعمل شركات اقتصادية، وذلك  لأهمية النهضة الإقتصادية في دعم صمود الشعب الفلسطيني.
وشدد اسليم على ضرورة اعطاء الفرص للصناعات الفلسطينية الخفيفة والمتوسطة، وعمل مناطق صناعية وحرفية متخصصة، وتخفيف الضرائب على هذه الصناعات، وفي ذات الوقت رفع قيمة  الضرائب على البضائع المستوردة التي لها بديل فلسطيني.
كما دعا الى دراسة جدوى لمشاريع الصناعات الثقيلة والتي تحتاج لخبرات يمكن  تحقيقها بعمل شراكة مع الدول الشقيقة ،إضافة لتقديم التسهيلات للمستثمرين من الداخل والخارج .
وتساءل اسليم "ما الذي يمنع عمل دراسات مع الجامعات وأصحاب التخصص لدراسة توجيه رأس المال الفلسطيني بشكل مثمر؟".
وقال ان هناك ضرورة لتعزيز الثقة والأمان لرأس المال الفلسطيني والعمل على ايجاد صيغة لتعزيز التعاون الدائم بين القطاع الخاص والحكومي،بحيث يكون في وزارة الإقتصاد متخصصين لكل قطاع لمعالجة الإشكاليات والعوائق التي تقف أمام تقدم الصناعة الفلسطينية.
ودعا الى وضع ضوابط للإستيراد العشوائي والغير مدروس الذي يؤدي إلى تحويل رأس المال الفلسطيني إلى بضائع مكدسة في مخازن تجارها،إصافة لإضعاف الصناعة المحلية.
وأهاب اسليم بوزارة الزراعة أن يكون من طرفها حراك حقيقي وسريع لدعم الوضع المتردي للمزارعين من خلال توفير المعدات الحديثة والخبرات والتقنيات، وإعطاء الفرص لمستوردي المواد الأولية والمعدات وتقديم إعفاءات جمركية لهم، وعمل دراسة عن احتياجات الفلسطينين من المحاصيل الزراعية من حيث الكم والتوقيت حتى لو استدعى ذلك إلى إلزام المزارعين بزراعة محاصيل معينة ضمن فترات تتناسب مع الإحتياجات الفلسطينية.
وانتهى اسليم الى القول ان دور وزارة السياحة في العمل الخدماتي بكل أشكاله هام للغاية، موضحا أن الوزارة بامكانها ان تعمل على تطوير المرافق اللازمة لجلب السياحة الداخلية والخارجية ،وعمل مهرجانات سنوية بالشراكة مع  وزارة الثقافة والإعلام وكليات الفنون من أجل إعطاء الفرص لأصحاب المواهب.
 
* خاص بملحق الحياة الجديدة الاقتصادي "حياة وسوق"
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد