تقارير وتحقيقات

الطعام الصحي..مرام ورفيقاتها يستثمرن بمقاصف المدارس

|
الطعام الصحي..مرام ورفيقاتها يستثمرن بمقاصف المدارس

 كتب - عاطف دغلس *  مثل زميلاتها تقف روزين أمجد في طابور طويل تنتظر دورها لشراء حاجتها من مقصف المدرسة، وبعد عناء حصلت على طلبها، علبة الأرز المطبوخ واللبن الرائب وقطعة حلوى الحلبة البيتية وانصرفت للساحة الرئيسية لتأكل ما ابتاعته على عجل.

وسط ساحة مدرسة بنات ياسوف اسكاكا الثانوية قرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية، تحلَّقت روزين وزميلاتها لتناول فطورهن خلال فسحة الدوام في مشهد يظهرهن كأنهن حول مائدة الطعام في بيوتهن، فالمدرسة وفرت المكان والغذاء الصحي المناسب.

تريد روزين غذاء صحيا مفيدا يحوي بروتينات وفيتامينات تمدها بالطاقة والحيوية خلال الدراسة، ولا تتسبب بأضرار قد تحدثها الأطعمة الجاهزة كـ"الشيبسات" والمشروبات الغازية، بل وجدت بوجبة المدرسة ما يُغنيها عن إحضار الطعام من منزلها. 
 
 
 
أطعمة صحية منزلية
منذ تعهدت مرام فريد (34 عاما) وابنة عمها ريما شريف (37 عاما) مقصف المدرسة وهن يداومن على تقديم أفضل الأطعمة الصحية المعدة منزليا للطالبات، لدرجة أنهن تميزن فيها وانفردن من بين مئات المدارس بالضفة الغربية، لا سيما محافظتهن.

قبل ثلاث سنوات خطرت الفكرة ببال مرام بينما كانت المدرسة تحتفل بيوم التراث الفلسطيني، حينها أحضرت طعاما من المنزل تنوع بين المجدرة والمسخن والمفتول (أكلات شعبية فلسطينية) وغلفته بأوعية حافظة، لتجد إقبالا كبيرا وتشجيعا من الطالبات وإدارة المدرسة.

تعدد وتنوع غذائي
في الرابعة فجرا تستيقظ السيدتان وتبدآن بخبز المعجنات التي تأخذ وقتا طويلا، ثم ينتقلان لإعداد الطعام المطبوخ من ورق العنب والأرز والتبولة والمكرونة، إضافة للحلويات البيتية والشوربات الساخنة كالعدس والمشروبات الباردة مثل عصير الليمون الطازج بالنعناع ولبن المخيض، فضلا عن الذرة والترمس.

وتُعدُ مرام ورفيقتها أربعة أنواع من الطعام الصحي يوميا وصنفين من الحلوى ومثلهما من الشوربات والعصائر الطازجة.

ورغم أن العمل يتساوى بالربح مع الطعام الجاهز، فإنهما تجدان "بالتنوع الغذائي" فرصة للإبداع وتقديم أشهى الأطعمة للحفاظ على تصدرهما لضمان مقاصف المدارس لديهما.
تنشغل السيدتان في الترتيب جيدا للمعروضات من الأطعمة، فقد وصلتا متأخرتين وعليهما المباشرة في إعداد بعض الطعام في المقصف، كاللبن الرائب ليكون طازجا، ورغم ذلك حدثتنا مرام مؤكدة أن الأمل بموسم جيد قائم لديهن، إذا ما تجنبن العطل "المفاجئة" والنشاطات المدرسية "دون ترتيب مسبق معهن"، كالإفطارات الجماعية وما شابه.

بيئة مدرسية جذابة
بكل قوتها تسعى مرام لفرض نفسها في المقصف عبر ما تعده من أطعمة متميزة، وتحصل بذلك على دعم كبير من مديرة المدرسة والمسؤولين في وزارة التربية والتعليم التي شكرتها على صنعها وشجعتها لتقديم المزيد.
واللافت أن أسعار الوجبات المقدمة ليست باهظة، وأن بإمكان الطالبة بمصروفها الذي يُقدر بنصف دولار أميركي شراء أكثر من نوع من الطعام والحلوى معا.

وتبقى الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتذبذب رواتب الموظفين وغلاء أسعار البضائع عوامل مؤثرة في عمل السيدتين، لكنهن يجدن في البيئة الصحية والنظيفة المتوفرة بالمدرسة دافعا في المضي قدما بعملهن "والتميز والتفرد" بين مقاصف المدينة.

كما أسهم تحفيز المدرسة للطالبات وتوعيتهن بزيادة الإقبال على الشراء، وبجهود مضنية تبذلها نجاح اشتية مديرة المدرسة تساعد في التزام الطالبات بدرجة كبيرة بالتبضع من المقصف لا سيما أنها والمعلمات قدوتهن في ذلك.
وبصورة جذابة زينت جدران المدرسة وساحاتها بلوحات فنية وخطت فوقها شعارات ترمز للحفاظ على الصحة والبيئة بتثقيف الطالبات وتوعيتهن حول مواضيع شتى، كالطعام المفيد والنظافة.

في لوائحها الداخلية تحظر وزارة التربية والتعليم بيع مأكولات بعينها تؤكد أنها غير صحية داخل مقاصف المدارس التي بدأت مؤخرا تسليمها لجمعيات خيرية ونسوية، كما هو حال مرام وريما مع نادي ياسوف النسوي، خاصة في القرى والأرياف لضمان تقديم أطعمة طازجة وصحية للطلبة.

وقد لا تملك الوزارة فعلا ضبط جميع المقاصف وإلزامها ببيع أغذية صحية، لكنها قادرة على وضع محددات ومنع تلك المقاصف من بيع أغذية غير صحية، وهو ما تفعله حاليا.
 
علاقة طردية
يقول مصطفى أبو سعادة خبير التغذية ومدير الصحة المدرسية بوزارة التربية والتعليم بمحافظة سلفيت إن هناك ارتباطا وثيقا بين التحصيل الدراسي للطلبة وفاعليتهم ونشاطهم المدرسي وبين طبيعة غذائهم، وإن هذا لا يظهر لهم عيانا فقط وإنما تؤكده دراسات عالمية.

ولضمان تقديم أفضل تنوع غذائي وصحي للطلبة، تجري الوزارة جولات استطلاعية في المدارس، فضلا عن حملات توعوية للطلبة، ويقول أبو سعادة إنهم ملتزمون تماما بموضوع المسموح والممنوع من الأطعمة في المقاصف ويبذلون جهودا كبيرة لتقديم طعام صحي والتقليل من الأطعمة التي تحوي نسبة عالية من السكر والمواد الحافظة.

كل ما اكتسبته مرام وريما من خبرة تضعانه بسلة واحدة، هي صنع الطعام والشراب الصحي، ليدفعهن ذلك لإرساء القواعد الأولى لمشروعهن الأضخم "مطبخنا" لإعداد الطعام داخل القرية دون الاقتصار على المقاصف المدرسية.
 
* مراسل الجزيرة نت
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد