القاهرة: أعلن خالد عمارة، وفاة والده المفكر الإسلامي محمد عمارة، عضو هيئة كبار العلماء، الجمعة، عن عمر يناهز 89 عاما، بعد رحلة قصيرة مع المرض، دامت 3 أسابيع فقط.
وقال خالد، خلال منشور عبر حسابه على "فيسبوك": "توفي أبي رحمه الله في هدوء وبدون أي ألم أو معاناة، يحيط به أسرته الصغيرة ويدعو لأمي ولكل أولاده وأحفاده وأحبابه، وقال لكل واحد منهم: أحبك.. وأنا راض عنك".
وأوضح أن صلاة الجنازة على والده، اليوم السبت، بعد صلاة الظهر في مسجد الحمد بالتجمع الخامس، بجوار مجمع المحاكم، وأنه سيدفن في قريتهم "صروة" التابعة لمركز قلين في محافظة كفر الشيخ.
وأعلن كذلك عن وصية والده الراحل، قائلا: "توفي أبي رحمه الله وهو يوصي بإكمال مشاريعه الفكرية وكتبه وأبحاثه"، متابعا: "هناك بعض الوصايا لتلاميذه وكل من أحب أبي رحمه الله أو تعلم منه شيئا ما، أولا إقامة صلاة الجنازة أو صلاة الغائب على والدي في أكبر عدد ممكن من مدن العالم".
وتابع: "ثانيا تذكر أبي بدعاء من القلب في صلواتك، ثالثا نشر أفكار الدكتور محمد عمارة بين الناس في كل مكان بكل الطرق الممكنة، ورابعا، أن تحكي عنه وعن أفكاره لمن حولك ومن تعرف".
من هو عمارة؟
نشأ بريف مصر مركز قلين- كفر الشيخ-في مصر، حفظ القرآن وجوده وهو في كتاب القرية. بدأت تتفتح وتنمو اهتماماته الوطنية والعربية وهو صغير. وكان أول مقال نشرته له صحيفة (مصر الفتاة) بعنوان (جهاد عن فلسطين). درس الدكتوراه في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية-كلية دار العلوم-جامعة القاهرة 1975. والماجستير في العلوم الإسلامية تخصص فلسفة إسلامية-كلية دار العلوم-جامعة القاهرة 1970م والليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية-كلية دار العلوم-جامعة القاهرة 1965م.
يقول أكرم ذياب وقد نشر بحثا موسعا للرد على أفكار عمارة أن الأخير عاش سلسلة من التحولات الفكرية وقد مر بأطوار (...) من الماركسية إلى الاعتزال فالسلفية إلى غير ذلك ويقول الدكتور محمد عباس إن محمد عمارة هو واحد من كوكبة لامعة صادقة هداها الله فانتقلت من الفكر الماركسي إلى الإسلام...وكانت هذه الكوكبة هي ألمع وجوه اليسار فأصبحت ألمع وجوه التيار الإسلامي، ودليلا على أن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام.
حصل على العديد من الجوائز والأوسمة والشهادات التقديرية والدروع، منها "جائزة جمعية أصدقاء الكتاب، بلبنان سنة 1972م"، وجائزة الدولة التشجيعية بمصر سنة 1976، ووسام التيار الفكري الإسلامي القائد المؤسس سنة 1998م.
حقق لأبرز أعلام اليقظة الفكرية الإسلامية الحديثة، جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وألف الكتب والدراسات عن أعلام التجديد الإسلامي مثل: مؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسب البنا، والمفكر الاسلامي الاخواني سيد قطب، الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، والشيخ محمد الغزالي، ورشيد رضا، وخير الدين التونسي، وأبو الأعلى المودودي،، ومن أعلام الصحابة علي بن أبي طالب، كما كتب عن تيارات الفكر الإسلامي القديمة والحديثة وعن أعلام التراث من مثل غيلان الدمشقي، والحسن البصري.
من أواخر مؤلفاته في الفكر الحديث: الخطاب الديني بين التجديد الإسلامي والتبديل الأمريكاني، والغرب والإسلام _أين الخطأ..وأين الصواب؟، ومقالات الغلو الديني واللاديني، والشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية، مستقبلنا بين التجديد الإسلامي والحداثة الغربية، أزمة الفكر الإسلامي الحديث، والإبداع الفكري والخصوصية الحضارية، وغيرها كثير.
أسهم في العديد من الدوريات الفكرية المتخصصة، وشارك في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية، ونال عضوية عدد من المؤسسات الفكرية والبحثية منها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمعهد العالي للفكر الإسلامي. اتسمت كتابات الدكتور عمارة وأبحاثه التي أثرى بها المكتبة العربية والتي وصلت إلى (200) مؤلفا بوجهات نظر تجديدية وإحيائية، والإسهام في المشكلات الفكرية، ومحاولة تقديم مشروع حضاري نهضوي للأمة العربية والإسلامية في المرحلة التي تعيش فيها.
أهم ما يميز فكره
إن أهم ما يميز فكره هو إيمانه ودفاعه عن وحدة الأمة الإسلامية، وتدعيم شرعيتها في مواجهة نفي البعض لها، حتى نعَت العلمانيون دكتور عمارة بأنه المنظًر للحركة الإسلامية، ويقول هو: (ذلك شرف لا أدًعيه وهم لا يقصدون منه المديح وإنما استعداء السلطات ضدي).
وينتمي المفكر إلى المدرسة الوسطية ويدعو إليها، فيقول عنها إنها (الوسطية الجامعة) التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفا جديدا مغايرا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة، والوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خصيصة مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي، بل هي منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية.والفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع، ومن هنا فإن الله جعل وسطيتنا جعلا إلهيا (جعلناكم أمة وسطا).