فسحة للرأي

الانتخابات الفلسطينية.. قراءة في فرص القوائم الانتخابية

جريس غنيم |
الانتخابات الفلسطينية.. قراءة في فرص القوائم الانتخابية

كتب - جريس غنيم *  لا يخفى على أحد أن الانتخابات التشريعية الفلسطينية باتت تشكل حالة من الجدل الكبير على المستوى الشعبي و السياسي الفلسطيني أولا والمستوى الإقليمي و الدولي ثانياً ، حيث بات واضحاً مدى الاهتمام به الانتخابات لعدة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية لسنا في صدد الحديث في تفاصيلها ، بقدر التركيز على نتائج قوائمها المتنافسة أو القراءة الأولية لما هو متوقع من هذه أن تكون عليه تلك النتائج ، خاصة في ضوء العدد الكبير و الغير مسبوق لعدد القوائم المتنافسة والتي بلغ عددها ستٌ وثلاثون قائمة انقسمت بين قوائم حزبية ومستقلة وحراكية شبابية وغيرها من الأشكال التي قامت عليها بنيت هذه القوائم .

إن هذا العدد الكبير من القوائم سيكون له تأثير على نتائج هذه الانتخابات من ناحية وبالتالي على تركيبة هذا المجلس التشريعي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تقليص نسبة الحسم من 2% إلى 1.5% لا يعني أبداً التقليل من كمية الأصوات التي تحتاجها كل قائمة لتخطي نسبة الحسم إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الإرتفاع الواضح في عدد المواطنين ذوي الأحقية في المشاركة بالمقارنة مع الانتخابات السابقة .

انطلاقاً مما سبق واعتماداً على ما نُشر من قوائم أولية لأسماء المرشحين في هذه القوائم الانتخابية يمكننا القول بأن عدد قليل من القوائم يمكنه بشكل أو بآخر تخطي نسبة الحسم وبالتالي التمثل بالبرلمان بناء على عدة عوامل أهمها :

أولا : العامل الجغرافي : لم تستطع العديد من القوائم أن تحصل على تنوع كبير في الأعضاء المرشحين من خلالها على تنوع جغرافي كبير في قوائمها ، وإن دققنا النظر بشكل عام سنجد أن أغلبية القوائم المشاركة ترتكز بالأساس على موقع جغرافي واحد أو اثنان بشكل أساسي وإن كان هناك تمثيل لباقي المواقع ، ولكن أقصد هنا الثقل الإنتخابي للأعضاء المشاركين بشكل أساسي باستثناء القوائم الحزبية .

ثانياً : العامل اللوجستي : إن القوائم الانتخابية المشاركة باستثناء القوائم الحزبية و بالأخص الأحزاب الكبرى منها ، سيكون اعتمادها الأساسي على المساهمات الفردية للمرشحين أو بعض الداعمين من هنا أو هناك ولكن بالمحصلة النهائية لن تستطيع هذه القوائم منافسة الأحزاب بالتحديد في الدعاية الانتخابية واحتياجاتها اللوجستية التي ترهق الأحزاب نفسها وتستنفذ العديد من مواردهم و طاقاتهم التي عملوا على تسخيرها عبر سنين طويلة مضت مما سيأثر على شعبية العديد من القوائم الانتخابية أو حتى السمع بها .


ثالثاً : المد الجماهيري : الحقيقة أن الجمهور عامل مهم في هكذا نوع من الانتخابات ، ليس فقط للتصويت لهذه القائمة وإنما للعمل على نشر أفكارها وبرنامجها ودعايتها الانتخابية والتحدث عنها و الدفاع عن أفكارها والتعظيم من أهدافها ، أي أن العملية برمتها تحتاج لجيش إن صح التعبير من الشباب و المؤيدين من كل حدبٍ وصوب لتحقيق هذا الهدف ، ومن هنا نستطيع القول بأن القوائم الحزبية بالتحديد وبعض القوائم التي شُكلت من رموز وطنية أو سياسية هي صاحبة الكفة الأرجح في هذا الجانب ، نظراً لتاريخها وتنظيمها وتركيبة مؤسساتها وتشكيلاتها الفرعية وغيرها ، التي لم تحصل عليها إلا بعد جهد كبير دام لعشرات السنين على عكس باقي القوائم الأخرى المستقلة أو الحراكية الشبابية التي مهما وصلت من التنظيم لن تستطيع مجاراة الأحزاب السياسية في هذا الجانب .

رابعاً : البرامج الانتخابية : مقياساً لما يتم تداوله بين الناس في الأماكن العامة و الخاصة و الأخبار وشكوى المواطنين ، ودراسة للواقع الموجود حالياً ، بات من الواضح أن العامل الاقتصادي و الاجتماعي يليه العامل السياسي هو الهم الأكبر للفئة الكبرى من الشعب ، وانطلاقاً من هنا ظهر ما يسمى بالحركات الشبابية التي قامت بالأساس لنيل أو المطالبة بحقوق اجتماعية اقتصادية تهم المواطن بالدرجة الأولى بعيداً عن القضايا السياسية و الوطنية ، ولكن هذا لا يعني أن جزء كبير من المشاركين في هذه المطالب هم بالأساس من أبناء التنظيمات المختلفة ، ومن ناحية أخرى لم تستطع هذه التجمعات المطلبية أو الحراكية أو الشبابية الحشد في جميع المناسبات التي دعت لها إلا بالقليل جداً منها وأهمها الاعتصامات ضد قانون الضمان في الضفة و بعض الاحتجاجات في غزة ، ومن هنا بناء على ما نشأت من أجله أو بسببه فلن تكون قادرة على وضع برامج انتخابية شاملة وحتى وإن فعلت فإن مدى تطبيق هذا البرامج في ظل الصراع السياسي و الحزبي في فلسطين لن يمكنها حتى من تطبيق أدى ما يمكن منه ، على عكس الأحزاب وخاصة الكبرى منها كفتح أو حماس ستكون هي المسيطر الأساسي في التشريع و التطبيق إن جرت الأمور بدون مناكفات سياسية .

خامساً : قوائم اللحظة الأخيرة : والمقصود هنا القوائم الانتخابية المدعومة من شخصيات بارزة في المجتمع الفلسطيني أمثال الدكتور ناصر القدوة و مروان البرغوثي و الدحلان بالتحديد تعطي طابع عام بأن الصراع سيكون محتدم بشكل كبير بين هذه القوائم والأحزاب السياسية بالتحديد مما يقلل من فرص باقي القوائم المستقلة أو العشائرية في الحصول على ثقة المواطن وبالأخص بأن العوامل السابقة التي تفتقر لها القوائم المستقلة من لوجستية وجغرافية وجماهرية متوفرة سلفاً لهذه القوائم بالإضافة إلى احتوائها على شخصيات معروفة على مستويات كبيرة في المجتمع الفلسطيني عامةً على عكس باقي القوائم .

سادساً : العقل الباطني للناخب والمستوى العاطفي : المقصود هنا بأن العقل الباطني للناخب وشعوره بالخوف من المستقبل بشكل دائم وخاصة من الناحية الأمنية أو الاجتماعية سيدفعه بشكل تلقائي لعدم المغامرة بالتجديد أو الخروج عن المألوف ، خاصةً وأن الوضع القائم في فلسطين هو خارج عن المألوف بالأساس بسبب وجود المحتل أولا و التخوف الدائم من حالة الفلتان ثانياً ، أضف إلى ذلك المستوى العاطفي التذي تمثل باعتماد القوائم الحزبية و الكبرى على الأسرى وذوي الشهداء في قوائمهم الانتخابية و في الصفوف الأولى على عكس جميع القوائم الأخرى المشاركة في الانتخابات سيكون له تأثير كبير جداً على قرار الناخب .

سابعاً : الصراع الإنتخابي : لن تدخر أي من الأحزاب الكبرى في ظل الصراع السياسي القائم بينها أو القوائم المنبثقة عن شخصيات حزبية سابقة أي جهد بالتأثير على الناخب ومحاولة جذبه لصفها وهي تستطيع ذلك لقدراتها الإعلامية و المادية و الجماهرية الكبيرة وهذا الصراع الكبير لن يعطي فرصة للقوائم الأخرى بالتأثير الكبير على الناخب ، فالهالة الإعلامية و الحشد الشعبي والأذرع المنبثقة من هذه القوائم ستكون بمثابة جحيم على باقي القوائم .

وبالاعتماد على ما سبق فإن نتائج الانتخابات لن تفرز ما هو جديد على الساحة السياسية الفلسطينية من الناحية التمثيلية في البرلمان ، حيث أن القوائم الحزبية الكبرى أو شبه الحزبية ( المدعومة من شخصيات حزبية بارزة) ستحصد الأغلبية العظمى من المقاعد يليها الأحزاب السياسية الأقل تأثير وبالتالي لن يتبقى لباقي القوائم المستقلة و الحراكية و العشائرية سوى القليل التي لا تتجاوز أصابع اليدين وبنسبة لن تتعدى أصابع اليد الواحدة من هذه القوائم في أحسن الظروف .

* باحث وناشط سياسي

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد