اخباريـات عالمية

مكاسب تركيا في "نبع السلام" ..

|
مكاسب تركيا في "نبع السلام" ..

 إسطنبول-“القدس العربي”:  على مدار 10 أيام منذ انطلاق عملية الجيش التركي العسكرية في شرق نهر الفرات شمالي سوريا والتي أطلق عليها اسم “نبع السلام” شهدت العملية تحولات متسارعة كان أبرزها السيطرة السريعة للجيش التركي على مركزي رأس العين وتل أبيض وتسارع انسحاب القوات الأمريكية ولجوء الوحدات الكردية لحضن النظام وروسيا مجدداً، وأخيراً التوصل لاتفاق بين أنقرة وواشنطن يوقف العملية العسكرية لخمسة أيام.

هذه التطورات والتحولات المتسارعة كشفت حجم التعقيدات السياسية والعسكرية المتعلقة بالوضع في شمالي سوريا ومستوى التداخل الدولي في هذا الملف، وفتحت الباب واسعاً أمام سيناريوهات مختلفة نقلت مصير المنطقة الآمنة من يد الولايات المتحدة إلى يد روسيا التي باتت لها الكلمة الأولى في مناطق أوسع من الشريط الحدودي السوري مع تركيا بعد أن كانت القوات الأمريكية تسيطر على هذا الشريط بشكل كامل.

مكاسب استراتيجية
تمكنت تركيا وبفعل عملية “نبع السلام” من إنهاء خطر ما تطلق عليه “الكيان الإرهابي” أو “الكانتون الانفصالي” وهي المصطلحات المتعلقة بالهواجس التركية التاريخية من إمكانية تمكن أكراد سوريا من إقامة دولة على طول الحدود السورية مع تركيا تكون بمثابة تهديد استراتيجي على الدولة التركية، والمخاوف الكبرى من أن يؤدي قيام مثل هذا الكيان لتشجيع أكراد تركيا ودعمهم على إقامة دولة لهم في الجانب التركي من الحدود، وهو ما يعتبر في تركيا تاريخياً بالتهديد الاستراتيجي الأول.

فعلى الرغم من أنه من المبكر الحديث عن مدى نجاح تركيا في تحقيق أهدافها الكاملة من عملية “نبع السلام” وصعوبة استطاعتها السيطرة فعلياً على باقي المناطق في الشريط الحدودي، إلا أن العملية حققت أهدافا مهمة جداً على الصعيد الاستراتيجي في تبديد حلم الكيان المتواصل على الحدود التركية وهو الذي كاد أن يتحول إلى أمر واقع قبل عدة سنوات بعدما تمكنت الوحدات الكردية وبدعم أمريكي من السيطرة على كامل مناطق شمال شرق سوريا وعلى طول الحدود مع سوريا شرق الفرات وصولاً لمنبج وعفرين غربي النهر، ولم يتبق سوى مسافة قريبة للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وإعلان كيان انفصالي من المتوسط إلى حدود العراق.

ولمواجهة هذا الخطر، وفي ظل صعوبة إزالته بشكل كامل، اتبعت تركيا سياسة “تقطيع أوصال” المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، وفي أول خطوة نجحت من خلال عملية “درع الفرات” من السيطرة على مناطق تصل شرقي وغربي نهر الفرات ومنها جرابلس والباب والراعي ومحيطهم، ولاحقاً نجحت من خلال عملية “غصن الزيتون” في السيطرة على كامل عفرين ومحيطها، وعقب ذلك قطعت الطريق أيضاً على الوحدات الكردية في محاولة السيطرة على إدلب ومناطق مختلفة من أرياف حلب وحماة واللاذقية، عبر نشر الجيش التركي في إطار اتفاق أستانة مع روسيا.

وعبر تلك الخطوات الثلاث نجحت تركيا في فرض حقائق مهمة أبرزها، وقف تمدد الوحدات الكردية ومنع وصولها إلى البحر المتوسط، وضرب معظم أماكن تواجدها في غربي نهر الفرات، باستثناء منبج ومنطقة تل رفعت وهي مناطق لا تعتبر حدودية مع تركيا.

تفتيت الكانتون الحدودي
وفي عملية شرق الفرات، سيطر الجيش التركي على المنطقة الواقعية بين بلدتي تل أبيض ورأس العين بطول أكثر من 100 كيلومتر وبعمق قرابة 35 كيلومترا، ويتوقع أن تتوسع السيطرة في تلك المنطقة والمحيطة لتصبح على الأقل بطول أكثر من 150 كيلومترا، وبالتالي تكون تركيا قد فصلت مناطق سيطرة الوحدات الكردية على حدودها شرق الفرات أيضاً وقسمتها إلى كانتونين أحدهما في عين العرب/كوباني وآخر في المناطق الشرقية قرب الحدود مع العراق.

وفي أسوأ الأحوال لو بقيت الوحدات الكردية في منطقتي عين العرب والقامشلي وريف الحسكة فإن ذلك لم يعد يشكل خطرا حقيقيا متعلقا بإقامة كيان على الحدود، ولكن تركيا تتوقع أيضاً أن تتمكن من السيطرة على تلك المناطق، أو إجبار روسيا والنظام على تجريد الوحدات الكردية من قوتها فيها.

مخاوف من التغول الروسي
يضاف إلى ذلك، أن كل ما سبق لم يكن يتحقق لولا التحول الأكبر الذي شهدته المنطقة والمتعلق بما يمكن اعتباره إجبار تركيا الولايات المتحدة على سحب قواتها من الشريط الحدودي، وبالتالي انكشاف الوحدات الكردية، كما يتوقع لاحقاً أن يؤدي ذلك إلى انسحاب القوات الفرنسية والغربية الأخرى الموجودة شرقي نهر الفرات، وهو ما تراه تركيا انجازاً كبيراً في طرد القوات الأجنبية التي كانت تعتبرها داعماً للتنظيمات الإرهابية من حدودها.

ومقابل المكاسب التركية من الانسحاب الأمريكي من الشريط الحدودي، تلوح في الأفق مخاوف أخرى تتعلق بمخاطر التفرد الروسي في الساحة السورية وإمكانية تفردها في القرار وما يحمله ذلك من تخوفات تركية بأن تسعى روسيا للضغط عليها أكثر في ملفات مختلفة منها إدلب ومناطق عفرين ودرع الفرات وأخيراً المناطق التي سيطرت عليها شرقي نهر الفرات.

ومع فرحة تركيا العارمة بالانسحاب الأمريكي من الشريط الحدودي وانهيار الوحدات الكردية هناك، إلا أن أوساطا في أنقرة ما زالت ترغب في بقاء القوات الأمريكية في القواعد الخلفية في الرقة ودير الزور وقاعدة التنف الاستراتيجية لكي يبقى نوع من التوازن الدولي في سوريا وأن لا تتفرد روسيا بالساحة السورية لوحدها.

حدود المنطقة الآمنة
وفي هذا الإطار، تظهر أهمية اللقاء المقرر يوم الثلاثاء المقبل بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي حيث من المقرر أن يبحث الزعيمان خريطة السيطرة والنفوذ في شمالي سوريا عقب التحولات الأخيرة، لا سيما رسم حدود المنطقة الآمنة.

ونص بيان الاتفاق التركي الأمريكي حول تجميد عملية نبع السلام تضمن التأكيد على أن المنطقة الآمنة عمقها 32 كيلومترا لكن بدون تأكيد طولها الذي قال العديد من المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم اردوغان إنها تمتد من منبج غرب الفرات وحتى الحدود العراقي شرقه بطول 444 كيلومترا.

لكن هذا الحديث طرح تساؤلات هامة حول المنطقة التي يمكن للولايات المتحدة أن تسحب منها الوحدات الكردية خلال أيام حسب ما تعهدت في الاتفاق، لا سيما وأن كثيرا من هذه المناطق يمكن اعتبار أنها انتقلت من النفوذ الأمريكي إلى نفوذ روسيا والنظام السوري عقب عقد الاتفاق مع الوحدات الكردية.

ويتوقع أن ينحصر التنفيذ الأمريكي للاتفاق مع أنقرة في حدود ما تبقى من مناطق لم يسيطر عليها الجيش التركي في محيط تل أبيض ورأس العين لتتوسع مناطق نفوذ الجيش التركي لحدود 150 كيلومترا أو 200 كيلومتر في أحسن الأحوال، على أن يبقى مصير المساحة المتبقية والممتدة على طول قرابة 250 كيلومترا بيد روسيا.

إدلب مجدداً
ومن غير المتوقع أن تبدي روسيا ليونة كبيرة في المباحثات المتوقعة مع تركيا الثلاثاء المقبل، حيث ينتظر أن يعيد بوتين التأكيد على وحدة الأراضي السورية وسيادة سوريا وحق النظام السوري في السيطرة على الأراضي السورية وضرورة سحب كافة القوات الأجنبية ومنها القوات التركية.

وفي أحسن الأحوال، من غير المنتظر أن توافق روسيا على توسع الجيش التركي في مناطق جديدة مثل عين العرب أو القامشلي أو المالكية وغيرها، كما سيبقى ملف منبج معقداً، باستثناء بعض التعهدات الروسية بالأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية التركية وتحجيم نفوذ الوحدات الكردية في هذه المناطق.

وفيما يتعلق بمنبج، تتخوف تركيا أن تربط موسكو بين الاستجابة لمطالب تركيا بتطهير المنطقة من الوحدات الكردية، بإجبار تركيا على تطهير إدلب من “العناصر الإرهابية” في إشارة إلى هيئة تحرير الشام، ما يعني أن ملف إدلب ربما يعود إلى الواجهة مجدداً وبقوة خلال الأسابيع المقبلة.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد