الزاوية الاقتصادية

سامر بدوان.. مالك "خزائن فلسطين"

|
سامر بدوان.. مالك "خزائن فلسطين" أحد عمال المصنع يضع اللمسات الأخيرة على المنتج

كتب - عاطف دغلس *:   من "قاع" داره كانت البداية لمشروعه الخاص الذي نقله من عامل بسيط إلى رجل أعمال ذاع صيته ووضع قدميه بوصفه أول صانع للخزانات عند أولى عتبات العالمية وتحدى بذلك معيقات جمَّة.

بدا الحديد ليِّنا بين يدي سامر بدوان (45 عاما) ليجعله ضمن الشكل المراد، ولا يزال يحتفظ لنفسه بمكانة في التصنيع بين آلات ضخمة وحديثة وعمال شباب في مقتبل العمر ظهر عنفوانهم جليا خلال العمل.
وبعد أن قضى نحو عقدين من الزمن وهو يعمل في شركات إسرائيلية لصناعة الخزانات الحديدية، همس بأذنه مسؤول في أحد البنوك الفلسطينية في أحد الأيام مستفسرا عن سبب بقائه عاملا لدى الاحتلال ما دام بإمكانه إنتاج مثل هذه الخزانات وبالمواصفات المطلوبة، ففكّر بدوان ونظر ثم ردّ "نعم أستطيع".

سامر بدوان


سريعا، بادر بدوان بإنشاء مصنعه "الأول والأخير" فلسطينيا، فجمع أمواله "من هنا وهناك" حتى حلي زوجته أتت بها تحملها لتكون أول من يسانده في حلمه رغم ما يشوبه من محاذير وعراقيل منتظرة.

في بلدة عزون قرب قلقيلية شمال الضفة الغربية حيث أقيم "مصنع فلسطين للخزانات"، تعيش البلدة حصارا وإغلاقا إسرائيليا بفعل بوابات وأبراج عسكرية تحيط بها من كل الجهات.

كان لهذه التخوفات ما يبررها ليس عند بدوان فحسب، بل لدى المحيطين به أيضا، فالمصنع الجديد لا يعني فقط تركه للعمل في إسرائيل، وإنما تقديم منتج منافس بالقوة والثمن لنحو عشرة مصانع إسرائيلية وأخرى عالمية تورد بضائعها للفلسطينيين.

تصدير المنتوج
كل تلك التحديات، نقلت المصنع الذي لم يكن يتجاوز 150 مترا مربعا حين بدأ يشق طريقه إلى أكثر من 1500 متر مربع الآن، ومن عامل واحد هو سامر بدوان إلى نحو خمسة عشر عاملا يحترفون بدقة عالية إنتاج خزانات تنافس محليا ودوليا، "فالمصنع حصل من وقت قريب على شهادة المواصفات والمقاييس الألمانية (بي دي أس) وقبلها شهادة الإشراف الفلسطينية والإيزو العالمي 9001" يقول بدوان.

ورغم تعثر المشروع في بدايته نتيجة "لمحدودية الجهات المستفيدة واقتصارها على قطاع البنوك والمؤسسات المصرفية"، فإن بدوان سرعان ما تدارك الزبائن بمنتج قوي مكَّنه من تصدير بضاعته للمناطق الفلسطينية ولداخل إسرائيل "وقريبا سنحظى بطرحه عالميا".

ورغم قلة تحصيله العلمي الذي توقف عند الثانوية العامة، فقد اتبع بدوان أساليب حديثة لتسويق منتجه، فأنشأ مكتبا للترويج بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية لأهميتها سياسيا واقتصاديا، وتقدم لمناقصات لدى مؤسسات مصرفية فلسطينية لصناعة أبواب وخزانات مستقلة، ونجح فيما اختبر فيه.

أنتج بدوان منفردا خزانات تزن تتراوح بين 250 و500 كيلوغرام، والآن يصل بعضها إلى ثلاثة أطنان وبمقاسات وأشكال مختلفة ومتينة "باعتراف الجهات المستفيدة ووفق مواصفاتها".

سر المهنة
في مرآب كبير داخل المصنع، كان واضحا أن أحدا غير بدوان أو عماله لن يتمكن من الدخول إلى هناك، فالمكان يحوي "سر المهنة" الذي يحتفظ به الرجل لنفسه ولا يكشف إلا جزءا يسيرا منه، لكن ذلك لم يحل دون معرفتنا بمبادئ التصنيع وأنواع الخزانات المنتجة.

يستخدم المصنع الحديد السميك نسبيا (3 ملم) في صناعة الخزانات، وتتداخل بينه قضبان تتوزع بطريقة هندسية لتسكب بداخلها "الحشوة الداخلية" التي تتكون عادة من الإسمنت المسلح أو الفولاذ أو الألمنيوم الذي يعد أقواها، إضافة لمواد كيميائية تعد بدقة جعلت من منتجاته رائدة في مجالها.

وقد فرضت خزانات بدوان نفسها في السوق المحلي والإسرائيلي أيضا وتفوقت عليه، حتى إنه جوبه بعراقيل من أرباب عمله السابقين من الإسرائيليين الذين اشتكوه للقضاء، لكنه سرعان ما تجاوز محنته وعدّ ذلك محفزا له للتقدم بمنتج أفضل وأكثر منافسة.

المواصفات الجيدة
واستطاع بفضل "المواصفات الجيدة" أن يجذب إليه معظم البنوك العاملة في فلسطين إضافة لمؤسسات مالية وعامة أخرى، كما استحوذ المصنع على "صيانة أكثر من 80% من الخزنات في تلك المؤسسات"، يقول غالب عباس أحد عمال المصنع والمشرف على قسم الصيانة.

دفعت تلك المتابعة والاهتمام بصيانة الخزانات الشاب محمد عمرو الذي يمتلك متجرا لبيع الهواتف المحمولة لشراء واحدة متوسطة الحجم والثمن، وكانت منقذا له للاحتفاظ بأوراق رسمية وأجهزة "غالية الثمن" يصعب عليه نقلها للمنزل بشكل يومي لا سيما وأنها "خزنة آمنة" من أي حريق أو سرقة أو غير ذلك.

وبشعار مصنعه "للقوة أسرار"، يسعى رجل الأعمال سامر بدوان للنهوض بمصنعه، الذي قارب رأس ماله 800 ألف دولار أميركي وكان قد انطلق بـ15 ألفا، لخلق "ثقافة جديدة" تجعل من الخزانة أمرا مقبولا بكل بيت فلسطيني لا أن تقتصر على شركات أو مؤسسات بعينها.

* مراسل موقع الجزيرة نت/ فلسطين

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد