فسحة للرأي

هراء ثقافي

لينا المصري |
هراء ثقافي

 كتبت -  لينا المصري:  أمسى الوطن العربي في الآونة الأخيرة، بلد المليون روائي وشاعر، عدد من الكتب الموقعة بأسماء نكرة، تُباع في المكتبات إلى جانب الأرقام الصعبة من الأدباء والشعراء.

إن الإقبال منقطع النظير على الكتابة والنشر سيف ذو حدين، فإن دلّ على شيء إنما يدل على ثورة فكرية تدفع بالشباب المثقف وأصحاب المواهب  لدخول مجال الأدب، في المقابل ثمة كوارث ثقافية لا تُحمد عقباها تهدد الناشئة وتنحدر بمستوى الثقافة والفكر. 
فمذ أصبح العالم قرية صغيرة، وابلٌ من الكتابة الرثّة التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نالت ثناء المستثقفين والقرّاء السذّج، ما دفع اولئك للتوجه إلى دور النشر والمطابع، التي لعبت دورا كبيرا في انتشار الظاهرة ، لتحقيق مكاسب مادية بالدرجة الأولى.
وغالبا ما يكون هذا النتاج المرقع من الرواية والقصيدة والقصة القصيرة، خلاصة لتجارب عاطفية عاشها الكاتب، أو عدد من الكتب الملخصة بأسلوبه، فإحداهن تعلن حربها على الرجال، وآخر يلعن المجتمع وتقاليده، ليبرر خطاياه ونزواته، والبعض يهاجم الدين ونظمه وأخلاقه، وآخرون ينقمون لواعج القلب، وحرقة المحبين ، تعددت الكتابات والهدف واحد ، ألا وهي الشهرة، أشبه ما تكون بالألعاب النارية التي سرعان ما تنبعث كالنار في الهشيم، وسرعان ما تتلاشى، حتى أصبح لدينا كمّا هائلا من الكتّاب المكدسين على رفوف المكتبات.
وما يلفت الانتباه ويستدعي القلق، أن هذه الزوبعة تستهدف المراهقين والناشئة، وتسمم أفكارهم بما يناسب اهتمامهم وميولهم في تلك الفترة الحرجة، وإن كان هناك سبب آخر لانتشار هذا الخَدَر، فذلك لغياب النقد والتمحيص فيما يُنشر.

كان الأديب إذا كتب نصاَ، دفع ثمن ذلك حصة من دمه، وحرقة أعصابه وأوراقه، وانهال عليه النّقاد والأدباء بالصفع والتحقيق والتدقيق بكل تفصيلة، من حيث اللغة والأسلوب والمعنى،  فيخرج إلى النور كاتب مخضرم بقلم مرصع بالفصاحة والبلاغة، ويفتح له التاريخ أبوابه على مصرعيه، كان كل منهم مدرسة تمشي على قدمين، أكثرهم قد واراهم الثرى، وبقيت كتاباتهم على قيد الحياة.

بالنسبة لي، فإن الكتابة مسألة معقدة، تشبه عملية الغزل إلى حد كبير، قد يبدو الأمر سهلا، إلا أنه غاية في الحساسية، وليس من شأن أي شخص أن ينسج نصا متناسقا يستحق التبجيل، وأكثر ما يُضحك في عصر الانحطاط الذي نشهد، أننا نفضل الثياب المرقعة، والكتابة المرقعة.
وهناك سبل متبعة لترويج الكتابة الضعيفة، بطريقة تثير السخرية، فيقوم البعض بنسب ما يُنشر عبر الصفحات الإلكترونية إلى كبار الأدباء والشعراء، وذلك لجذب اهتمام من لا يعرف حقيقة الأمر. 
وصلتني مؤخرا رسالة نصية، تدعو للاشتراك بخدمة " خواطر وكتابات" عبر الهاتف المحمول، أحد الأساليب الدعائية لحشد الجمهور وكسب المال، ومن المتوقع لاحقا، أن تربح نصا أدبيا في علبة السكاكر، أو أن تشتري كتابا من أقرب سوق للخضار. 
إن القضية لا تقف عند الكتابة الرثة فحسب، هناك مشكلة تكمن في من يتناول هذه الفظاظة على أنها ثقافة، ويتأثرون بها بشكل كبير، بعضهم يميل إلى العزلة كصورة من صور الوقار وعمق التفكير ،والكارثة أنهم يحظون بالتشجيع على الاستمرار في القراءة والمطالعة. 
صار لا بد من وقفة في وجه التيار، بأن نتوقف عن التصفيق والمجاملة، ,وأن نكون أكثر عمقا في اختيار ما نقرأ، هذا لا يعني أن نكون عقبة في طريق الموهوبين، علينا أن نكون أكثر شفافية وموضوعية في تقييمهم، وتقديم النصح والنقد البناء، وهنا يبرز دور المتخصصين وأساتذة اللغة، من خلال عقد الندوات الأدبية وحلقات النقاش. 
"تصبح الكذبة حقيقة إذا تم تكرارها بما يكفي"، هذا ما يتعلق بمن يستخف في عقل القارىء، ويقدم ثرثرته بقالب ثقافي، ويظن أنه فعل شيئا مدهشا، إن كلمة كاتب وشاعر وأديب تحمل في ثناياها مسؤولية عظيمة، وليس من شأن تلك الثرثرة أن تحافظ على الثروة الأدبية التي خلّفها العرب منذ فجر التاريخ. 
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد