فسحة للرأي

على اعتاب الوطن

سامر عنبتاوي |
على اعتاب الوطن

 كتب - سامر عنبتاوي:  عندما نبحث عن انفسنا في غربة الوطن ,, و عندما نتحسس جراحاتنا و نبحث عن ماض مجيد في حاضر مبعثر و مستقبل غامض و مجهول ,, و عندما تأخذنا الانا و المصالح الى أعماق النكران و الجحود ,, و عندما نجتر التجربة بنفس الأدوات و الشخوص ,, و عندما نسلك نفس المسالك معتقدين انها تأخذنا الى النجاة ,,, و عندما نضع في عربتنا من يشاء و من لا يشاء و نقود المركبة بالسرعة التي نريد و بالوجهة التي نريد ,, عندما لا نذكر من دماء شهدائنا و جرحانا سوى لونها ,, و لا نذكر من قضبان السجون سوى صدأها ,, و لا نذكر من لوعات المنافي سوى صورها التذكارية ,, عند ذلك كله فنحن نعيش على اعتاب الوطن ,, نرتدي احذيتنا بالمقلوب فلا نعد ندري اذاهبون ام عائدون ؟ ,, اندخل الوطن ام نخرج منه ؟ انبكي دموع الألم ام الفرح ؟ انحمي الوطن ام نتوسل اليه ان يحمينا ؟ 

نشأنا و كبرنا على عشق الوطن المكلوم ,,,فتحنا اعيننا على احتلال من نوع غير مألوف ,,, حدثونا عن حيفا و يافا فبكينا نابلس و الخليل بعد القدس ,, و اخذنا عهدا على انفسنا سنظل نقاوم و نرفض الاحتلال ,,, انشأنا الحركات و الأحزاب لتحرير الوطن و مضى قطار التحرير و لكن تعددت السكك و المسارب ,,, قطار بلا محطات لالتقاط الانفاس ,, قطار يسير بسرعة جنونية و لكن دون عنوان واضح و بدون لغة مشتركة بين الركاب ,, و الأهم فالقطار يقوده اكثر من سائق و حتى انهم في بعض الحالات باتجاهين متضادين .

في رحلتي الأخيرة خارج الوطن مررنا ب (جسر العودة و الكرامة ) اخذتنا اللهفة للحظات ,, نعم عبور الجسر اصبح اسهل لا وجود ل ( محطة عبده ) تضع الشنط في الاستراحة و تستلمها بعد انهاء كافة المعاملات و تتجه الى عمان ,,, سعادتنا أصبحت غامرة بالانجاز العظيم ... و نبهني صوت احدى الزميلات ,, الى هذه الدرجة نزل سقفنا ,,, ارتضينا وجود الاحتلال على الحدود يسمح لمن يسمح بالمرور و يمنع من يمنع و يتحكم و يتجبر و نحن فرحون بإنجاز إزالة محطة عبده ,, هل نزل سقفنا في كل الأمور وهل ارتضينا الواقع كما هو ؟ و استذكرت رواية الراحل اميل حبيبي عندما نحت كلمتي المتفائل و المتشائم بكلمة ( المتشائل ) في روايته الشهيرة ,, و التي عرف فيها الحالة الفلسطينية و الشعب بالمتشائل و ضرب على ذلك عدة امثلة منها ان الام عندما تبلغ بان ابنها قد كسر رجله الشمال تقول الحمدلله فرجله اليمين لا زالت سليمة ,, و بهذا المفهوم قيست الكثير من الأمور خسرنا ثلاثة ارباع الوطن ,, الحمد لله لا زال الربع الأخير ,, القدس هودت ,, الحمد لله العاصمة البديلة موجودة ,, غزة فصلت عن الضفة ,, الحمد لله نابلس و جنين لا زالوا مرتبطين بشارع متصل ,, فقدنا دور منظمة التحرير ,, الحمد لله السلطة موجودة ,,, فقدنا قوة و زخم الفصائل ,, الحمد لله اعدادهم في تزايد ,,, عقد مؤتمر فتح في ظل خلافات و تباين ,,, الحمد لله لم تنقسم ,,, استعضنا عن الوحدة في صفقة ما في عاصمة عربية ما ,,, الحمد لله غيرنا المصطلحات و كلنا ايات المديح و تحدثنا عن وحدة حال و مصير بلا وحدة .

انه الوطن أيها الفلسطينيون يسرق امام اعيننا ,, انها الأرض تسلب و المياه تنهب و المقدسات تهود ,, انها مرحلة الحسم بالنسبة لاعدائنا و نحن نفرح لنجاح مؤتمر او فشله ,,, اننا نقسم المقسم و نجزيء المجزأ ,, اننا نتذكر يوميا أخطاء بعض بل و نرصد لهذه الأخطاء و نضخمها و ننسى الاحتلال ,,, اننا نحاصر انفسنا في الضفة و نصمت على حصار أهلنا في غزة ,, قال لي احد الأصدقاء الغزاويين ,,, انتم في الضفة تدفعون ثمن الاحتلال و نحن في غزة ندفع ثمن الانقسام ,, فاجبته بل نحن جميعا ندفع الثمنين معا فمع احتلال الضفة نعاني الانقسام و مع انقسام غزة فانتم محتلون ,, هذا هو الواقع شئنا ام ابينا .

نريدك يا وطن موحدا نريد المراجعة و استخلاص العبر ,, نريد حريتك و حريتنا ,, نريد هواء نقيا لا تشوبه البغضاء و الكراهية ,, نريد هواء معبأ باريج الكرامة ,, نريد حبا ابديا و ازليا بيننا ,, نريد حريات و قانون و تقبل لبعضنا البعض ,,, نرفض الدكتاتورية و فرض المواقف ,,, يا عالم نحن جميعا شركاء في هذا الوطن لا شركاء في مكاسبه و مترفعين على التزاماته و احتياجاته ,, الوطن للعامل كما هو للقائد و للفلاح كما هو للمالك ,,, الوطن لنا جميعا فلا تعلمونا دروسا في كيفية خلاصه من براثن الاحتلال فنحن نعي ذلك تماما ,

نعم نعبش على اعتابك يا وطن ,,, اعتابك الى الداخل لا الى الخارج ,,, نحن على اعتابك لنحميك لا لنفر منك ,, نحن على اعتابك و لو لم نملك الكواشين و الطابو فيكفينا اننا امتداد لاجداد الأجداد على ترابك و تحت سمائك ,,, نعم الوطن لنا جميعا و من شاء ان يبقى على الحدود رجلا في الداخل و رجلا في الخارج بحساب المصالح فليترك وطنا على اعتابه صامدون مناضلون لاجله ,, و افخر و يفخر الكثيرون مثلي اننا على اعتاب الوطن حماية لسياجه .
 

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد