فسحة للرأي

عباس وخط موسكو مسقط

نبيل عمرو |
عباس وخط موسكو مسقط

 كتب - نبيل عمرو:  منذ الاعلان عن عزم الرئيس الامريكي اطلاق مبادرة غير مسبوقة لحل القضية الفلسطينية، وكثيرون يتدخلون كوسطاء للتسهيل على الديبلوماسية الامريكية، وتمهيد الطريق امام الصفقة الطموحة، لبلوغ هدف لم تستطع الإدارات الامريكية المتعاقبة بلوغه على مدى سبعين سنة من الحروب ومشاريع التسوية.

ويتردد هذه الأيام ان الديبلوماسية الامريكية، ودون اعلان مباشر من جانبها استعانت بسلطنة عمان، ولقد القى الضوء على ذلك الزيارتان المفاجئتان التي قام بهما الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ما اعتبر كمحطة جديدة في الوساطات الا انها فيما يبدو لن تقدم او ربما تؤخر لاسباب عديدة كلها غير عمانية بل أمريكية اسرائيلية بامتياز.
سلطنة عمان دولة تمارس سياسة خارجية متحفظة، بعيدة عن الاستعراض الإعلامي والتباهي بالدور، لهذا لا يقع لوم كبير على الجهد الذي قامت به خاصة اذا ما طلب ذلك من قبل الإدارة الامريكية، وبصرف النظر عن ملاحظات سلبية صدرت من هنا وهناك حول مبدأ استقبال عمان لنتنياهو، الا ان الرئيس محمود عباس كما أظن يشعر ببعض الارتياح اذا ما تدخل طرف عربي في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، شريطة ان لا ينطوي التدخل على الضغط باتجاه خيارات غير مناسبة لادارة عباس للصراع في زمن أمريكا وصفقة القرن.
الموقف من التدخل العماني يشبه الى حد ما مع اختلاف في درجة الاستجابة الموقف من التدخل الروسي الذي رحب به الرئيس عباس وكاد من خلاله ان يلتقي برئيس الوزراء نتنياهو في ضيافة صديق مشترك هو الرئيس بوتين، لولا ان رئيس الوزراء الإسرائيلي هو من رفض، ما أحرج الجانب الروسي وسجل نقطة لمصلحة مرونة عباس واستعداده لاستئناف المفاوضات، وقد تحدث عباس بايجاب كثيرا عن المبادرة الروسية رغم انها لم تتم.
ومن مسقط الى موسكو لنقول ان الثانية تمتلك مؤهلا مميزا هو ثقة الفلسطينيين بها فمنذ فتح ملف السلام قبل ربع قرن من الان لم يمارس الحليف الروسي للفلسطينيين أي ضغط عليهم، بل اكتفى بتوجيه النصائح ومواصلة دعم الأهداف الأساسية للفلسطينيين دون خروج بأي قدر عن الالتزام بهذه الاهداف.
الروس والعمانيون وغيرهم من دول ورجال اعمال وقادة حزبيين إسرائيليين ممن تدخلوا في الملف الشائك، يعرفون من خلال متابعاتهم الدقيقة لمجريات الأمور على الملف الفلسطيني الإسرائيلي في ظل السياسية الامريكية تجاه هذا الملف، ان العلة الأساسية لا تكمن في الجانب الفلسطيني الذي يعبر عنه محمود عباس، ولا في الطلبات الفلسطينية التي يراها نتنياهو تعجيزية مع انها طلبات الحد الانى.
العلة بالضبط تكمن في امرين يشكلان حوجاز تجعل التسوية مستحيلة اذا ما بقيا على حالهما ..
الأول ... الانقلاب الذي يقوده نتنياهو من حول الملف الفلسطيني ، واعني به استمرار عمله على نظرية ان التطبيع مع العرب يجب ان يسبق حل القضية الفلسطينية .
والثاني.. اصراراه على عدم تمتع الفلسطينيين بحقهم في تقرير مصيرهم، وذلك من خلال تحديده المسبق لهذا المصير، بعبارة تبدو شاذة عن كل منطق " اقل من دولة واكثر من حكم ذاتي"
مفسرا ذلك بملحق اكثر اجحافا هو مصادرة نسبة عالية من الأرض الفلسطينية مع سيطرة امنية دائمة على الكيان الفلسطيني مهما كانت طبيعته ومسمياته. هذه هي العقدة التي يعرفها العمانيون والروس ويتجاهلها أصحاب صفقة القرن، ويمارسون في سياق ذلك ضغوطا مباشرة وغير مباشرة لارغام الرئيس الفلسطيني على التكيف مع القوالب الأمريكي الإسرائيلية للحل.
الرئيس الفلسطيني الذي سمي ولفترة طويلة مهندس أوسلو، والذي ذهب ابعد بكثير مما ذهب به غيره من اجل بلوغ تسوية لا أقول عادلة بل معقولة تريح الفلسطينيين من معاناتهم وتمنحهم كيانا يمارسون على ارضه حقوقهم الأساسية، هذا الرجل الذي يعتبره مزاج نتنياهو غير شريك بل واحيانا يصفه بالإرهابي، اضطر لمخاطبة العالم معربا عن غيظه وخذلانه ... " حسبنا الله ونعم الوكيل"
يبدو منطقيا انه لن يذهب الى تسوية مقدماتها توازي خلاصاتها في الخطورة والاجحاف، وأقدر انه ربما يذهب لو ساعده الامريكيون بإشارات ذات دلالة حول امرين هامين .. الأول تحديد امريكي اكثر وضوحا بشأن القدس الشرقية التي احتلت في العام 1967 والتي يجب ان تعود لاصحابها لتكون عاصمة لدولتهم العتيدة، والثاني ان يتوقف الامريكيون عن العبث الجنوني بقضية اللاجئين، هذا العبث الذي تلقفه نير بركات رئيس بلدية القدس، ليشرع على الفور في تصفية الانروا داخل مدينة القدس ومخيماتها، وقبل ان يبحث الامريكيون عن وسطاء لعلهم يشجعون الفلسطينيين على التكيف مع ما يفعلون وما سيفعلون ، بدل ذلك عليهم الاقدام على تعديلات جوهرية توضع في صلب صفقة القرن ، وحين يصل الى نقاط قابلة للنقاش ولا تجحف بالحقوق الفلسطينية المؤيدة تماما بالقانون الدولي، فالمضمون الأكيد في هذه الحالة هو استجابة الفلسطينيين وتعاونهم، وساعتئذ لا حاجة لوسطاء رقيقين او ضاغطين بل ستكون الحاجة ملحة لداعمين وضامنين لتسوية يرضى عنها الفلسطينيون.

أضف تعليقاً المزيد

الاكثر قراءة المزيد

الاكثر تعليقاً المزيد